بناء على أوامر من السلطان الذى جرى الاعتراف بسلطته الاسمية على الحجاز إلى أن حدث الغزو الوهابى الأخير ، كان الدّخل الناتج عن الجمارك التى يجرى تحصيلها من جدة يتم تقسيمها بالتساوى بين الباشا وشريف مكة ، فى حين يتولى الباشا حكم المدينة كلها. وعندما بدأ الأتراك فى إخضاع آسيا كان الشريف يحصل على ثلث ذلك الدّخل فقط ، ولم يحصل الشريف على نصف هذا الدخل الجمركى إلا فى العام ١٠٤٢ الهجرى (*) ، وعقب ذلك مباشرة لم يغتصب الشريف غالب حكم جدة فقط ، وإنما حصل الجمارك لحسابه الشخصى ، وأصبح الباشا يعتمد على ما يعطيه الشريف غالب إياه.
عقب وفاة شريف باشا مباشرة اضطر الشريف غالب إلى تسليم مكة للوهابيين ، بعد أن حاصره سعود فى جدة فى العام السابق ، وسرعان ما أعلن الشريف غالب على الملأ ولاءه واتباعه للمذهب الوهابى ، على الرغم من أنه كان لا يزال مسيطرا على جدة كلها ، وعلى المداخيل التى تأتى من جماركها ، والتى كانت تشكل المصدر الرئيسى لدخل هذا الرجل. لم يدخل الوهابيون المدينة التى أعلنت على الملأ اتباعها لمذهبهم الدينى ، وهنا اضطر الجنود الأتراك إلى التراجع فى اتجاه مصر ، أو أى مكان آخر ، واعتبارا من ذلك التاريخ وإلى العام ١٨١١ الميلادى جرى استبعاد السلطة التركية استبعادا تاما عن الحجاز.
فى العام ١٨١١ الميلادى بدأ محمد على باشا عملياته ضد الوهابيين ، بإرسال مجموعة من الجند بقيادة ولده طوسون بك الذى انهزم فى المنطقة ما بين اليمن والمدينة المنورة ، كانت الحملة أو العملية الثانية التى وقعت فى العام ١٨١٢ الميلادى أكثر نجاحا من سابقتها ، ففى الوقت الذى استولى فيه طوسون بك فى شهر سبتمبر من ذلك العام على المدينة المنورة ، واصل مصطفى بك صهر محمد على باشا ، سيره مباشرة بالخيالة التى كانت تحت قيادته إلى كل من جدة ومكة ثم الطائف ،
__________________
(*) راجع العصمى ، تاريخ الحجاز.