شحاذ. عدد الشحاذين فى كل من مكة وجدة كبير جدا ، وتجار جدة كلهم يعلمون أن الجداوى لا يمكن أن يلجأ مطلقا إلى العمل طالما كان قادرا على الإبقاء على رمق الحياة فيه عن طريق الشحاذة وسؤال الناس. التسول أمر يشجع عليه الحجاج الذين يبالغون فى استعراض إحسانهم فور نزولهم على هذا الجزء من الأرض المقدسة.
فيما يتعلق بأهل جدة وطبيعتهم ، أجد أن الفرصة مهيأة لإبداء بعض الملاحظات على وصفى لسكان مكة الذين يشبهون سكان جدة. واقع الأمر أن الأسر المحترمة لها منازل فى المدينتين ، وغالبا ما تنتقل تلك الأسر بين هذه المنازل.
جدة يحكمها باشا بثلاثة شرائط ، ويجىء فى مقدمة السواد الأعظم من الباشوات الآخرين ، وسبب ذلك هو ارتباط ذلك المكان بالأراضى المقدسة ، لكن حكومة جدة لا تعد تكريما أو تشريفا من وجهة نظر الأعيان من الأتراك ، الذين ينظرون إلى جدة دوما باعتبارها منفى وليست مكانا مفضلا ، وغالبا ما كان حكم جدة يسند إلى السياسيين أصحاب السمعة السيئة. والباشا لا يعد نفسه مجرد وال على جدة أو حاكما عليها ، وإنما هو حاكم أو وال على سواكن وعلى الحبش ، ومن باب تعزيز ذلك اللقب يحاول الباشا التحكم فى موظفى الجمارك الذين كانوا يعتمدون ، قبل حكم محمد على باشا ، اعتمادا كليا على الشريف.
أدت سلطة شريف بك إلى التقليل إلى حد كبير من أهمية باشوية جدة ، وتحول اللقب إلى مجرد تمييز من الناحية الشرفية ليس إلا لحامل ذلك اللقب ، فى الوقت الذى كان يقيم فيه فى إحدى المدن التركية أو فى إسطنبول ، دون أن يحاول تولى سلطة الحكم. كان هناك استثناء فى العام ١٨٠٣ الميلادى ، عندما جلا الفرنسيون عن مصر ، إذ سافر شريف باشا إلى جدة ومعه قوة مكونة من أربعمائة جندى أو خمسمائة ، لكنه مثل من سبقوه أصبح مجرد أداة للشريف غالب ، وفى العام ١٨٠٤ الميلادى انتهى مستقبل شريف باشا العملى بعد أن لقى ربه بصورة مفاجئة ، وكان ذلك مصير كثير من الباشوات الذين سبقوه فى جدة وفى مكة.