التى تجعلهم فى بعض أجزاء البلاد مكتفين تماما عن الواردات الأجنبية ... سكان الحجاز يبدون وكأنهم ليس لهم سوى حرفتين : التجارة ورعى الماشية. التجارة تشغل بال الحضر جميعهم ، ولا يستثنى من ذلك العلماء ، أو أولى العلم. كل واحد من الحضر يحاول استخدام رأس المال الذى بحوزته أيا كان ، فى تجارة مفيدة ، كما يتمكن من العيش دون بذل مجهود بدنى كبير ، والسبب فى ذلك أن أهل الحجاز يعارضون المجهود البدنى مع أنهم يتحرقون شوقا لتحمل كل القلق والمخاطر التى لا تنفصل عن التجارة. يصعب أيضا العثور على أشخاص يقومون بالعمل العام الذى يؤديه الحمالون .. إلخ. أما هؤلاء الذين لهم مهن شبيهة بتلك المهن فهم أصلا من الأجانب ، أو بالأحرى من مصر أو سوريا ، ومن الحجاج الزنوج ، العرق الوحيد من أعراق الجزيرة العربية الذى وجد أفراده مجدّون خلافا لبقية الأعراق الأخرى هم أهل حضرموت ، أو الحضارمة كما يقول لهم الناس. كثير من هؤلاء الحضارمة يعملون خدما فى بيوت التجار وبوابين ومراسلين ، وحمالين ، وهم مفضلون فى هذه الحرفة على غيرهم نظرا لأمانتهم وجدهم. كل مدينة كبيرة من مدن الشرق لها جنسية خاصة ، أفرادها هم الذين يقومون بأعمال الحمالين ، فى حلب نجد أن من يقومون بأعمال الحمالين هم الأرمن الذين يجيئون من جبال آسيا الصغرى ، والطلب عليهم كبير فى هذه المهنة ، فى دمشق نجد أن سكان جبل لبنان هم الذين يقومون بأعمال الحمالين ، فى القاهرة نجد البرابرة النوبيين هم الذين يقومون بهذه الأعمال ، وفى مكة وجدة يقوم الحضارمة بهذا العمل. هؤلاء الحضارمة شأنهم شأن السوريين يعدون متسلقين ممتازين للجبال. معروف أن مؤهلات شبيهة هى التى أهلت أبناء بلدى متسلقى جبال الألب لأن يقوموا بالدور نفسه فى باريس. هناك تشابه واضح بين مواطنى هذه البلاد كلها. جرت العادة أن يعود مثل هؤلاء الناس إلى مواطنهم ومعهم مكاسبهم ، ليمضوا بقية حياتهم مع أسرهم. على الرغم من هذا المصدر هناك حاجة ماسة إلى الخدم فى الحجاز ، لا أحد من أولئك الذين ولدوا فى المدن المقدسة على استعداد للعمل بالأعمال الوضيعة ، إلا إذا كان دافعه إلى هذا العمل هو الخوف من الموت جوعا ، وما إن يتحسن حال مثل هذا المواطن حتى يتوقف عن العمل ، ويتحول إلى بائع جائل أو إلى