البارة ، أصغر العملات المعدنية التركية (الناس هنا فى جدة يسمونها الديوانى) هى القطعة المعدنية الشائعة فى سائر أنحاء الحجاز ، وعليها طلب كبير ، باعتبارها أكثر ثباتا من الناحية القيمية عن القرش ، وذلك على الرغم من أنها (البارة) تسك هى الأخرى فى القاهرة. القرش يساوى ٤٠ بارة ، لكن فى موسم الحج ، عندما يكثر الطلب على الفكة الصغيرة اللازمة للتنقلات اليومية للحجاج فإن الصيارفة يصرفون القرش بخمس وعشرين بارة. هناك بعض الروبيات الهندية فى سوق جدة ، لكن هذه الروبيات لا يجرى صرفها أو فكها ، لم يحدث مطلقا أن التقيت أو شاهدت عملات معدنية مسكوكة بأوامر من إمام اليمن.
فى هذا الشارع الرئيسى نفسه توجد عشرة دكاكين كبيرة أو بالأحرى عشر وكالات عامرة دائما بالغرباء والبضائع ، كانت تلك الدكاكين أو الوكالات ملكا للشريف ، لكن حاليا أصبحت من ممتلكات الباشا الذى يفرض إيجارا سنويا على التجار. فى سوريا يطلق على هذه الوكالات اسم خانات ، وفى الحجاز يسمونها حوش ، وهى بالعامية المصرية تعنى «فناء».
فى شارع مجاور للشارع الرئيسى تعيش قلة قليلة من الحرفيين : الحدادين وسباكى الفضة والنجارين وبعض القصابين .. إلخ ، والسواد الأعظم منهم من المواطنين المصريين.
سوف يلاحظ القارئ من الصفحات السابقة ، أن جدة تعتمد اعتمادا كليا فى وارادتها ، أو بالأحرى على تلك الواردات التى تأتى من مصر أو من جزر الهند الشرقية ، وهذا هو أيضا حال معظم السلع التافهة. الافتقار إلى الأيدى العاملة ، وارتفاع أسعار العمل اليدوى ، وكذلك التكاسل وعدم الجد الكامن فى المواطنين فى الحجاز ، كل ذلك حال بين هؤلاء المواطنين وبين إقامة أى نوع من أنواع الصناعة ، اللهم إلا باستثناء السلع التى لا غنى عنها ، من هنا نجد أن سكان الحجاز على طرفى نقيض من العرب السوريين والعرب المصريين ، الذين يتميزون بالجد ، والذين ـ على الرغم من الصعاب التى تعترض طريقهم بفعل الحكومة ـ أقاموا العديد من الصناعات