وجدنا جنديا تركيا يحمل لقب أغا يقيم فى خيمة ، وتتمثل مهمته فى توصيل المؤن والتموينات التى تصل إليه من محطة الطائف المنخفضة. لاحظت فى شىء من الدهشة عدم بناء أى محل من محلات تزجية وقت الفراغ على هذه الحلبة المرتفعة. فى الماضى كان لتجار مكة منازل أو مقرات فى الطائف ، هذه المقرات مهجورة ويخيم عليها الحزن ، بقدر ما يبدو هذا المكان مبهجا وفارها ، لكن أحدا من هؤلاء التجار لم يفكر مطلقا فى بناء كوخ هنا فى هذا المكان ، وهذا دليل جديد على الفكرة التى كانت تراودنى منذ زمن بعيد ، ومفادها أن الشرقيين ، وبخاصة العرب ، أقل أحساسا بجماليات الطبيعة من الأوروبيين. ماء رأس قورة شهير بعذوبته وامتيازه فى سائر أنحاء الحجاز. طوال مقام محمد على باشا فى كل من مكة وجدة كانت تصله بصورة منتظمة كميات من ماء النيل لاستخدامها فى الشرب ، كانت تلك المياه ترسل من مصر مع كل أسطول من الأساطيل التى كانت تقصد جدة. كانوا يرسلون له ذلك الماء فى أوعية كبيرة مصنوعة من القصدير والصفيح ، لكن محمد على باشا عندما مر بهذه المنطقة وجد أن ماءها جدير بأن يحل محل الماء الآخر ، وبناء عليه يأتى جمل من الطائف ليجلب كل يوم حملا من هذا الماء.
منازل هذيل أصحاب هذه المزارع ، مبعثرة فى سائر أنحاء الحقول على شكل مجموعات مكونة من أربعة منازل أو خمسة ، هذه المنازل صغيرة مبنية من الحجر والطين ، لكن بعناية وحرفية لا يمكن أن ننتظرها من هذه الأيدى الخشنة. كل منزل من هذه المنازل مكون من ثلاث غرف أو أربع ، كل واحدة منها مستقلة عن الغرف الأخرى بواسطة ردهة ضيقة مكشوفة ، تشكل ما يشبه الكوخ المنعزل الصغير. هذه الغرف لا يدخلها الضوء إلا من مداخلها فقط ، وهى مرتبة ونظيفة جدا ، وتحتوى على أثاث بدوى ، وبعض السجاد الجيد ، وجوالات مصنوعة من الصوف والجلد ، وقلة قليلة من الأطباق المصنوعة من الخشب ، وأوانى للقهوة مصنوعة من الفخار ، وبندقية فتيلية يوليها صاحبها عناية كبيرة ؛ إذ يحفظها دوما فى جراب من الجلد. أثناء الليل أخذت قسطا من الراحة وأنا مستلق على جلد بقرة كبير ومدبوغ ، أما الغطاء الذى التحفت به