أى «الرسالة الثانية» قامت على أساس مواد جمعها المؤلف عند قيامه بأسفار كثيرة وفيما بعد جمعها ورتبها على الصورة التى هى عليها.
ويتضح بصورة كبيرة أن أبا دلف كرجل مثقف لا كجغرافى قد حافظ عن قصد عند تأليف «رسالته» على تقاليد الأدب الجغرافى العربى. وعن هذا يتحدث عرضه للمادة فى صورة طريق رحلة واحد وكذلك وجود بعض العناصر التقليدية فى بعض أوصافه. وكما هو الحال فى كل المؤلفات الجغرافية ذات الطابع الوصفى يوجد فى «الرسالة» كقاعدة الطابع العام الضرورى لموضوع الوصف سواء كان ذلك الموضوع منطقة أو مدينة أو بلدة أو بحيرة أو جبل أو غير ذلك. وحجم المكان وموقعه ووفرة مياهه (إذا كان ذلك نقطة أو مكانا مأهولا). وفواكهه وخيراته وكذلك مختلف المعالم الأخرى.
ويحاول أبو دلف على قدر الإمكان أن يقلل من الكلام عن نفسه ولم يذكر أى تفصيلات حياتيه فى رحلاته. ولم يذكر أى معلومات ذات طابع تاريخى أو إدارى أو جغرافى يمكن أن تكون معروفة فى مصادر أخرى رسمية أو غيرها. وهو يصف بشح وببخل وبكلمات قليلة المعالم الوضحة التى تسنى له أن يراها. وبطريقته الخيالية أستطاع أن يقدم صورة ناصعة واضحة من وصف الآثار النادرة للعمارة والظواهر الطبيعية العربية والاساطير الممتعة. وهو على ما يبدو أحد المؤلفين الأواثل الذين تحدثوا عن استخراج النفط فى «باكو» وعن «فرخد» قاطع الحجر الأسطورى. ونراه يخاطر بحياته فيرجع إلى «دماوند» ويكشف أسطورة عن الضحاك. ويمكن القول بأن البحث عن موضوعات مسلية من أجل راعيه وحاميه وكذلك العلاقة المباشرة لأبى دلف مع أعمال ومناشط بنى ساسان هما العاملان اللذان حددا النظام الرئيسى للرسالة الثانية.