وكان الناس يتخيلون لما وصل العسكر إلى مكة فى سنة ستين وسبعمائة أن يحصل له أذى ، فسلمه الله تعالى ، لأن العسكر قدم مكة وهو مريض ، واستمر به المرض حتى توفى ، ويقال : إن السلطان حسن لما بلغه وفاته ، عجب وحمد الله تعالى على كونه لم يصدر منه إليه شىء ؛ لأن والدى أخبرنى عن القاضى شهاب الدين أحمد بن ظهيرة ، عن القاضى عز الدين بن جماعة : أن السلطان حسن استدعاه سحرا إلى القصر ، فدخل على السلطان ، والشمع موقد بين يديه ، فقال له السلطان : أعظم الله أجرك فى القاضى شهاب الدين الطبرى قاضى مكة ، الحمد لله سلم منا وسلمنا منه ، وسأله السلطان عمن يصلح للمنصب؟ فقال له : الشيخ تقى الدين الحرازى ـ يعنى السابق ذكره ـ وسأل من السلطان أن يوليه ، فولاه.
وشهد عليه القاضى عز الدين بالولاية ، ونزل القاضى عز الدين من عند السلطان ، وصار يخبر عن السلطان بما صدر منه فى حق القاضى شهاب الدين والتقى الحرازى ، ليترك الناس السعى عليه ، فلم يتجاسر أحد على السعى على الحرازى.
وكان ابن ظهيرة يرغب فى ولاية نجم الدين بن القاضى شهاب الدين ؛ لأنه من خواص أبيه ، فلم يتم له قصد.
وكانت مدة ولايته لقضاء مكة ثلاثين سنة وستة أشهر إلا أياما ، فإن الولاية جاءته فى السابع من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاثين ، من عطيفة أمير مكة على ما ذكره الآقشهرى ، واستمر حتى مات فى سابع عشرى شعبان سنة ستين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة.
وذكر شيخنا القاضى زين الدين أبو بكر بن الحسين المراغى ، فى تاريخ المدينة : أن القاضى شهاب الدين الطبرى هذا ، جدد فى حدود الخمسين وسبعمائة بئر رومة ، ظاهر المدينة النبوية ، ورفع بناءها على الأرض نحو نصف قامة ونزحها وكثر ماؤها.
وذكر أن المطرى قال : إنها كانت خربت ونقضت حجارتها وأخذت ، ولم يبق لها إلا الأثر ، فدخل فى عموم قوله صلىاللهعليهوسلم : «من يحفر بئر رومة فله الجنة» (١). وهذا الحديث فى الصحيح. انتهى.
__________________
(١) أخرجه البخارى تعليقا فى كتاب المناقب ، باب مناقب عثمان بن عفان أبى عمرو القرشى رضى الله عنه ، وقال النبى صلىاللهعليهوسلم : «من يحفر بئر رومة فله الجنة». فحفرها عثمان وقال من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان.