أربع وثمانين وسبعمائة ، واستمر حتى خلع فى أوائل جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، بعد تخلى أصحابه عنه. وعند وصول العساكر الشامية إلى الديار المصرية ، صحبة الأمير يلبغا الناصرى ، وأعيد الملك الصالح حاجى بن الأشرف ، ولقب بالمنصور ، وبعث الملك الظاهر إلى الكرك. فاعتقل بها أشهرا ، ثم أطلق فى ثالث شهر رمضان سنة إحدى وتسعين ، وأقام بها حتى استفحل أمره ، ثم خرج منها فى ثالث عشرى شوال إلى دمشق ، فلقيه عسكر من الشام فهزمه ، ثم نزل فى العشر الوسط من ذى القعدة ، على قبة يلبغا ظاهر دمشق ، واستولى على جميع بلاد الشام ، ما خلا داخل دمشق ، وما قرب من السور وبعلبك ، وأتاه نائب حلب كمشبغا الحموى ، فيمن معه من عسكر حلب ؛ لأنه نقم على منطاش قيامه على الناصرى ، فقوى به أمر الظاهر.
ولما سمع باقترب العسكر المصرى ، رحل من قبة النصر للقائه ، فى ثالث عشر المحرم سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. فالتقا الجمعان فى يوم الأحد رابع عشره ؛ بمكان يقال له شقحب (١) بقرب الكسوة (٢). فحمل جاليش المصريين على جاليش الظاهر ، فكسر جاليشه ، وحمل الظاهر على الساقة فهزمها وظفر فيها بالمنصور والخليفة المتوكل والقضاة وغيرهم. وبويع هناك بالسلطنة بعد أن أشهد المنصور بخلع نفسه ، وأعرض الظاهر عن دمشق ؛ لأن منطاش هرب إليها وحصنها.
وكان خروجه من مصر مع المنصور ، فى سابع عشر ذى الحجة من سنة إحدى وتسعين.
وأقام الظاهر بشقحب أياما ، ثم سار إلى مصر فوصلها فى رابع عشر صفر ، وفيه جلس على سرير الملك بها. وكان وصوله إليها بعد أن استولى عليها بعض مماليكه ، لأنهم كانوا مسجونين فى سرب فى القلعة ، فنقبوه حتى أخرجهم إلى موضع يتوصلون منه إلى القلعة ، وخرجوا منه ليلا ، فلم يكن للذين تركهم منطاش بها قدرة على قتالهم ، فاستولوا على القلعة. وبعثوا إلى مولاهم الظاهر يعرفونه الخبر قبل علمهم بحاله ، فازداد بذلك سرورا ، ثم جهز عسكرا إلى دمشق ، فاستولوا عليها بعد هرب منطاش ، ثم عمل عليه ، حتى قتل ، وحمل إليه رأس منطاش ، وأباد أعداءه واحدا بعد واحد ، حتى صفى له
__________________
(١) قرية فى الشمال الغربى من جبل غباغب من ضواحى دمشق. انظر : النجوم الزاهرة ٨ / ١٥٩.
(٢) الكسوة : قرية هى أول منزل تنزله القوافل إذا خرجت من دمشق إلى مصر. انظر : معجم البلدان (الكسوة).