توقيع إليه بها ، وبنظر الحرم والحسبة ، مؤرخ بثانى عشر صفر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.
وكان قد جاءه توقيع بنظر الحرم والحسبة ، فى حادى عشر القعدة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. فباشر ذلك إلى أوائل ذى الحجة منها ، وتغرى برمش عليل مدنف. وكان سبب موته استطلاق بطنه من كثرة الأكل. فإنه لما عرض له الإسهال من ذلك ، صار يشتهى أشياء كثيرة ضارة له ، فتصنع له ويأكلها ، وتكرر ذلك منه ، فعظم عليه الضرر والتعب ، إلى أن مضى لسبيله فى ليلة مستهل المحرم ، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة ، ودفن فى صبيحتها بالمعلاة ، وحمل إليها فيما يحمل فيه الطرحا. ولم يشيعه من الناس إلا القليل.
ومما يحمد من أفعاله : سعيه فى شراء ماء فى قرار عين السلامة ، وهى ساعة ، يسقى به البستان المنسوب وقفه لنجم العجمى ، عند مشهد حبر الأمة ، عبد الله بن عباس بالطائف.
وذكر لى أن ثمن ذلك مائة مثقال.
وكان قد اشترى بالمدينة دارا تنسب لأبى مسلم ، وذكر أنه أوصى بوقفها على رجلين ، يقرأ أحدهما : شرح معانى الآثار للطحاوى ، وكتاب العاقبة لعبد الحق الإشبيلى ، والتذكرة للقرطبى ، ورياض الصالحين ، وسلاح المؤمن ، وغير ذلك من الكتب التى سماها. والآخر : يصلى على النبى صلىاللهعليهوسلم كل يوم ألف مرة ، ثم رجع عن هذه الوصية ، ووقف هذه الدار على أقاربه ، وأثبت ذلك على بعض الحكام من الحنفية بمكة وحكم بها ، وأثبت الموقوف عليهما ، وقف الدار عليهما ، قبل رجوعه ، فيما بلغنا.
وذكر أن ما صدر من تغرى برمش ، لم يكن كما زعم وصية منه ، وإنما نجز وقفيته.
وكان قليل المداراة للناس ، كثير الحب للإقدام المؤلم ممن يعارضه ، وإذا ظهر له أن فى فعل شىء مصلحة ما ، فعل ذلك ، وإن كان تركه أصلح ، أو المصلحة أكثر فى فعل غير ما يراه ، وهو السبب الأعظم فى إزالة الخلوة التى كانت إلى جنب زمزم فى المسجد الحرام ، والزبازيب التى تحتها الأحجار التى عندها. وكان الناس يجلسون عليها ، ويتوضون من هذه الزبازيب ، لما قيل إن بعض الناس يستنجى هناك ، وكان زوال ذلك فى العشر الأول من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة ، بعد وجوده عشر سنين. وعوض عنه السبيل الموجود الآن.