ولايم صاحب مكة ، وتولى عمارة الدور التى أنشأها فى الموضع المعروف بدار عيسى بالسويقة بمكة ، ثم توجه من مكة فى أثناء سنة اثنتى عشرة وثمانمائة إلى مصر ، فسعى فى أذى صاحب مكة ، فأجيب لقصده.
وخرج من مصر ، وهو واثق بذلك ، فخاب أمله ؛ لأن صاحب مصر الملك الناصر فرج ، استعطف على صاحب مكة ، فرضى عنه وأقره على ولايته ، ومنع من محاربته ، وعلم ذلك جابر ، فاستوطن ينبع ولايم ولاتها ، وبنى لهم بها قلعة وسورا ، وهو فى غضون ذلك يرغب كثيرا فى العود إلى مكة ، على أن يضمن له بعض القواد عن صاحب مكة ، أن لا يصيبه منه سوء ، فلم يوافق على ذلك صاحب مكة.
ثم رغب فى سنة خمس عشرة وثمانمائة فى إخراج جابر من ينبع ، لما بلغه عنه من تحسينه لصاحب اليمن ، التجويد على جدة إلى ينبع لتكدر خاطر صاحب اليمن على صاحب مكة ، فى أمر فعله صاحب مكة ، لم يسهل بصاحب اليمن.
فتوجه جابر إلى مصر ، وأخذ يؤذى صاحب مكة ، فلم يقبل منه ، وصودر وبعث به معتقلا إلى صاحب مكة ، فوصلها مع الحجاج ، فى موسم خمس عشرة وثمانمائة ، ودخلها والزنجير فى حلقه ، ورآه صاحب مكة ، وهو على هذه الصفة ، فحياه بالسلام ، وأقام بمنزل أمير الحاج برباط الشرابى ، ثم خلص فى ليلة الثامن من ذى الحجة من السنة المذكورة ؛ لأنه خرج يطوف تلك الليلة ، ومعه بعض المماليك ، فتسحب منه ، ولجأ إلى بعض القواد فأجاره ، وأخبر به صاحب مكة ، وجمعه عليه بعد أن توثق منه ، فعفا عنه صاحب مكة ، وأقبل عليه كثيرا من أموره بجدة وغيرها ، فنهض بذلك.
ثم تغير عليه صاحب مكة ، لما نسب إليه من تقويته للسيد رميثة بن محمد بن عجلان ، على دوام عصيانه لعمه ، فإن رميثة هجم على مكة فى رابع عشرى جمادى الآخرة ، من سنة عشرة وثمانمائة ، وهجم على جدة فى رمضان من السنة المذكورة ، ونهب جدة والهدة ، وسعى بعد ذلك جابر وغيره فى الإصلاح بينهما ، فشرط رميثة ما لم تطب به نفس عمه ، وصمم على ذلك ، فاتهم فى ذلك جابر ومن معه ، ووقع مع ذلك من جابر مخالفة لمخدومه فى بعض أوامره ، فقبض عليه بمنى فى النفر الأول ، ثم قرر على أمواله ، وأشعر بقتله ، فصلى ركعتين ، وخرج من أجياد مع الموكلين بقتله إلى باب المعلاة ، فشنق به ، ولم يظهر منه جزع فى حالة شنقة ولا فى ذهابه إلى الشنق ، ولا كلم الموكلين به كلمة واحدة.