ثم ولاه عبد الملك إمرة الحجاز ، وسار إلى المدينة من مكة ، فأقام بها ثلاثة أشهر وتغيب أهلها منه ، واستخف فيها ببقايا الصحابة رضى الله عنهم ، وختم أعناقهم ، وغير من الكعبة ما صنعه بها ابن الزبير.
وذلك أنه نقض الجانب الشامى من الكعبة ، وأخرج منه ما كان ابن الزبير أدخله من الحجر فيها ، وسدّ بابها الغربى الذى فتحه ابن الزبير ، وردمها بما فضل من حجارتها حتى ارتفعت كما هى عليه اليوم. وقد شرحنا ذلك فى شفاء الغرام ومختصراته ، فأغنى عن إعادته هنا.
ثم عزله عبد الملك عن الحجاز فى سنة خمس وسبعين ، وأمره على العراق ، ففعل فيه أيضا أمورا منكرة يطول شرحها ، وهى مبسوطة فى كتب التاريخ. ولم يزل الحجاج على إمرة العراق ، حتى أهلكه الله تعالى ، فى يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان سنة خمس وتسعين. كذا قال الطبرى فى تاريخ وفاته.
وذكر الذهبى : أنه توفى ليلة سبع وعشرين من رمضان ، وله ثلاث وخمسون سنة أو دونها.
وروى ابن زبر فى وفياته ، عن ابن عيينة : أنه توفى فى شوال سنة خمس وتسعين ، وهو ابن أربع وخمسين سنة ، وقيل : إن عمره ثلاث وخمسون سنة. وكانت وفاته بمدينة واسط التى بناها. وبها دفن وعفّى أثر قبره وأجرى عليه الماء. وكان مرضه الذى مات به الأكلة وقعت فى بطنه ، وسلط الله تعالى معها عليه الزمهرير. ولما بلغ الحسن البصرى موت الحجاج سجد لله شكرا. وقال : اللهم إنك أمته فأمت عنا سننه. وسئل إبراهيم النخعى عنه فقال : ألم يقل الله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
وروى الترمذى عن هشام بن حسان ، أنه أحصى من قتل الحجاج صبرا ، فبلغ مائة ألف وعشرين ألفا ، وعرضت السجون بعده ، فوجد فيها ثلاثة وثلاثون ألفا ، لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب.
قال الذهبى : وسمعوه يقول عند الموت : رب اغفر لى ، فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر لى. قال : وكان شجاعا مهيبا جبارا عنيدا ، مخازيه كثيرة ، إلا أنه كان عالما فصيحا مفوّها ، مجودا للقرآن. انتهى.
وكانت ولايته للحجاز ثلاث سنين ، وولايته للعراق عشر سنين.