هم فيه من الجهد والضيق. ففرحوا واستبشروا وتقدموا. فملؤوا ما بين الحجون إلى الأبواب. فحمل ابن الزبير على أهل الشام حملة منكرة ، فقتل منهم ، ثم انكشف هو وأصحابه ، فقال له بعض أصحابه : لو لحقت بموضع كذا؟ فقال : بئس الشيخ أنا إذا فى الإسلام ، لئن أوقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم! ودنا أهل الشام حتى امتلأت منهم الأبواب. وكانوا يصيحون به : يا ابن ذات النطاقين فيقول (٢) [من الطويل] :
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجالا من أهل كل بلد ، فكان لأهل حمص الباب الذى يواجه باب الكعبة ، ولأهل دمشق باب بنى شيبة ، ولأهل الأردن باب الصفا ، ولأهل فلسطين باب بنى جمح ، ولأهل قنّسرين (٣) باب بنى سهم. وكان الحجاج بناحية الأبطح إلى المروة. فمّرة يحمل ابن الزبير فى هذه الناحية ، ومرة فى هذه الناحية ، كأنه أسد فى أجمة ، ما تقدم عليه الرجال ، يعدو فى إثر القوم حتى يخرجهم.
فلما رأى الحجاج أن الناس لا يقدمون على ابن الزبير ، غضب وترجل وأقبل يسوق الناس ويصمد بهم ، صمد صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه. فتقدم ابن الزبير على صاحب علمه ، وضاربهم فانكشفوا ، وعرج وصلّى ركعتين عند المقام ، فحملوا على صاحب علمه فقتلوه على باب بنى شيبة ، وصار العلم بيد أصحاب الحجاج ، ثم حمل على أهل الشام ، حتى بلغ بهم الحجون ، فرمى بآجرّة ، رماه بها رجل من السّكون ، فأصابته فى وجهه ، فأرعش ودمى وجهه ، فلما وجد الدم على وجهه قال (٤) [من الطويل] :
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
|
ولكن على أقدامنا يقطر الدم (٥) |
وقاتلهم قتالا شديدا. فتعاونوا عليه ، فقتلوه فى جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ، وحمل رأسه إلى الحجاج ، فسجد واستولى على مكة.
__________________
(٢) انظر : الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٥٤.
(٣) قنسرين : بالشام ، وهى الجابية ، وبينها وبين حلب اثنا عشر ميلا ، وهى على نهر قويق ، وهو نهر حلب يصل فى جريته إلى قنسرين ثم يغوص فى الأجمة ، وقيل : بين قنسرين وحلب عشرين ميلا. انظر : الروض المعطار ٤٧٣ ، ٤٧٤.
(٤) انظر : الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٥٦.
(٥) فى الكامل : تقطر.