كان أمر طارقا بالنزول بين أيلة ، ووادى القرى ، لمنع عمال ابن الزبير من الانتشار ، ويسد خللا إن ظهر له. فقدم طارق المدينة فى ذى الحجة فى خمسة آلاف.
وكان الحجاج قد قدم مكة فى ذى القعدة ، وقد أحرم بحجة. فنزل بئر ميمون. وحج بالناس تلك السنة ، إلا أنه لم يطف بالكعبة ، ولا سعى بين الصفا والمروة ، لمنع ابن الزبير له من ذلك ، ولم يحج هو ولا أصحابه. ولما حصر الحجاج ابن الزبير بمكة ، نصب المنجنيق على أبى قبيس ورمى به الكعبة.
وكان عبد الله بن عمر ، قد حج تلك السنة ، فأرسل إلى الحجاج ، أن اتق الله واكفف هذه الحجارة عن الناس ، فإنك فى شهر حرام وبلد حرام ، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا الفريضة ويزدادوا خيرا ، وأن المنجنيق قد منعهم عن الطواف ، فاكفف عن الرمى حتى يقضوا ما وجب عليهم بمكة. فبطل الرمى ، حتى عاد الناس من عرفات ، وطافوا وسعوا ، فلما فرغوا من طواف الزيارة ، نادى منادى الحجاج : انصرفوا إلى بلادكم ، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير. فأول ما رمى بالمنجنيق إلى الكعبة ، رعدت السماء وبرقت ، وعلا صوت الرعد على الحجارة ، فأعظم ذلك أهل الشام ، وأمسكوا أيديهم ، فأخذ الحجاج حجر المنجنيق بيده ، فوضعها فيه ، ورمى بها معهم.
فلما أصبحوا ، جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثنى عشر رجلا ، فانكسر أهل الشام ، فقال الحجاج : يا أهل الشام لا تنكروا هذا ، فإنى ابن تهامة ، وهذه صواعقها ، وهذا الفتح قد حضر فأبشروا.
فلما كان الغد ، جاءت صاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدة. فقال الحجاج:ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة ، وهم على خلافها. ولم يزل القتال بينهم دائما ، فغلت الأسعار عند ابن الزبير ، وأصاب الناس مجاعة شديدة ، حتى ذبح فرسه وقسم لحمها بين أصحابه ، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم ، والمدّ الذرة بعشرين درهما ، وإن بيوت ابن الزبير لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا.
وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده ، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ويقول : أنفس أصحابى قوية ما لم يفن.
فلما كان قبل مقتله ، تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان. خرج من عنده نحو عشرة آلاف ، وكان ممن فارقه ، ابناه حمزة وحبيب ، أخذ لأنفسهما أمانا.
ولما تفرق أصحابه عنه ، خطب الناس الحجاج وقال : ما ترون قلة تابع ابن الزبير وما