كف عسكره عن القتال فأجاب إلى ذلك ، على أن يخرج من عانده من مكة. فمضى الفقهاء إليهم وأخبروهم بذلك ، فتأخروا عنه إلى جوف مكة ، بعد أن توثقوا ممن أجار فى كف القتال. فدخل السيد حسن من السور بجميع عسكره ، وخيم حول بركتى المعلاة.
وأقام هناك حتى أصبح ، فدخل مكة فى بكرة يوم الأربعاء سادس عشرى شوال ، لابسا للخلعة الشريفة والعسكر فى خدمته ، فطاف بالكعبة الشريفة سبعا ، والمؤذن يدعو له على زمزم ، وبعد فراغه من الطواف وركعتيه ، أتى إلى جهة باب الصفا ، فقرئ هناك توقيعه بإمرة مكة ، وكتاب السلطان بذلك ، فحضرت القضاة والأعيان وخلق لا يحصون كثرة ، وركب بعد ذلك فدار البلد ونادى بالعدل والأمان ، وكان قد أمن المعاندين له خمسة أيام ، فتوجهوا إلى جهة اليمن ، وبعث لابن أخيه رميثة بزوادة ومركوب فيما بلغنا.
وانتهى رميثة ، ومن معه إلى قرب حلى ، وأمر السيد حسن بعمل باب لباب المعلاة عوض الباب المحرّق ، فعمل وعمر من هذا السور ما كان أخرب فى وقت الحرب ، وبعث إلى القواد العمرة يستميلهم. فقدم عليه منهم جماعة أيام الحج ، وسألوه فى مصافاتهم والإحسان إليهم ، فأجابهم إلى ذلك بشرط أن يبينوا عن ابن أخيه ويلجئوه للسفر إلى اليمن. فإذا فارق حلى مسافرا لليمن قدموا عليه فأنالهم قصدهم ، فأظهروا له الموافقة على ذلك ، وبعث إلى خواص ابن أخيه يستميله بالدخول فى طاعته ، فمال إلى ذلك ابن أخيه ، لما بلغه عن القواد ، ولتقصير من معه من موالى عجلان وابنه أحمد بن عجلان فى حقه ، لقلة طواعيتهم له ، ولإمساك سعد الدين سعيد جبروه يده عن إعطائه ما ظن رميثة أن صاحب اليمن بعث به إليه من النقد والكسوة والطعام على يد سعد الدين ، فإن صاحب اليمن كان استدعى سعيدا ليوصله برا لنفسه ولرميثة ، وقدم رميثة إلى مكة بإخوته وزوجته ، وهى أعظم من حمله على ملاءمة عمه.
وكان عمه قد توجه من مكة لقصد الشرق. ولما أتاه الخبر بإقبال ابن أخيه إليه ، أمر خواص غلمانه بتلقيه وكرامته ، فخرجوا للقائه موكبين له ، ودخل معهم مكة ، فأنزلوه بمكان أعدوه له ، وكسوه وضيفوه وخدموه واستحلفوه على إخلاص الود منه لعمه ، وحلفوا له كذلك عن أنفسهم وعن عمه ، واستحلفوا إخوته كذلك لعمهم وحلفوا لهم. فكان هذا الحلف فى يوم الجمعة العشرين من صفر سنة عشرين وثمانمائة فى جوف الكعبة.