وفى يوم الخميس قبله ، قدم مكة رميثة ومن معه ، ومضى بعد ذلك بأيام قليلة ومعه إخوته لعمهم ، فأكرم ملاقاتهم وأحسن إليهم ، وبالغ فى الإحسان إلى رميثة وأظهر للناس الاغتباط به كثيرا ، وما سهل ذلك بأكثر بنى حسن لتخيلهم أن حالهم لا يروج كثيرا إلا فى زمن الفتنة ، ورام الشريف حسن حفظ القواد العمرة والحميضات ، فأخذ ما معهم من الخيل والدروع ، وألزمهم بذلك بعد عوده إلى مكة من الشرق ، فى جمادى الأولى سنة عشرين وثمانمائة ، أو الجلاء من بلاده ومحل ولايته ، وأجلهم للجلاء نحو نصف شهر وعاد إلى الشرق ، وأمر بعض خواصه بأخذ المطلوب من القواد ، أو إخراجهم من البلاد ، وظن أنه لابد من حصول أحد الأمرين لإطماع الشرفاء ذوى أبى نمى له بالموافقة على ذلك ، والمساعدة له عليه ، فتلطف القواد بالشرفاء وخضعوا لهم وخوفوهم من غائلة هذا الأمر ، لما فيه من إضعاف الفريقين. فإن الشرفاء كانوا وافقوه على تسليم خيلهم ودروعهم إذا فعل ذلك القواد ، وقصد الشرفاء بذلك إضعاف القواد ، فمال الشرفاء لقول القواد ، وأعطوا الشرفاء دية قتيل شريف قتله بعض القواد فى دولة رميثة.
وكان القواد ممتنعين من ديته ، ويقولون : نحاسبكم به مما لنا عندكم من القتلى ، وتحالف الفريقان على كف الأذى ، واستعطف القواد ذوى رميثة ، أولاد أحمد بن ثقبة ابن رميثة وأولاد على بن مبارك ولفيفهم ، فعطفوا على القواد ، ومالوا لما قال إليه ذوو أبى نمى وحلفوا عليه.
وبلغ ذلك الشريف حسن ، فعاد من الشرق إلى مكة فى أول النصف الثانى من رجب ، ولم يجد أكثر الشرفاء على ما كان يعهد منهم ، وهم مع ذلك يظهرون له الطاعة والموافقة على قصده ، ويشرطون عليه فى ذلك ، أن يجزل الإحسان إليهم بالمال والخيل والدروع ، وتوقف هو فى ذلك ، لما عهد من الفريقين من الأخذ وعدم الإسعاف بالقصد ، كعادة أسلافهم مع أسلافه ، وبعد قدومه إلى مكة بأيام قليلة ، استولى على جدة الشرفاء من بنى ثقبة ، ومبارك والقواد ولفيفهم ، وأعلنوا بالسلطنة لثقبة بن أحمد بن ثقبة ، وميلب بن على بن مبارك وجعلوا لكل منهما بجدة نوابا ، وأخذوا طعاما كثيرا بجدة ، وجبا بعض الجلاب الواصلة إليه ، فشق ذلك على الشريف حسن ، وحمله الشرفاء على النزول عندهم بالدكناء ، ففعل. ثم رحل منها إلى الجديد ، ثم إلى حدّا ، وأشار عليه جماعة من الشرفاء بأن يذهبوا عنه إلى القواد. وكانوا نزولا بالعد ، مع جماعة من آل أبى نمى ، ومع ذوى ثقبة وذوى مبارك ، ليأمروا المشار إليهم بالدخول فى طاعته ، ويخوفونهم