الشريف من الشرق. فاستماله القواد فمال معهم ، وأمر الشرف ولفيفهم من القواد ، أن لا ينزلوا بحدّا بطريق جدة ، فخالفوه. فلم يسهل به ذلك ، وكثر ميله ونصرته للمعاندين للشرف من القواد ، فتعبوا لذلك. ورحلوا من حدّا ، بعد إقامتهم بها شهر رمضان وأياما من شوال ، بعد أن صرف لهم نحو ألف وخمسمائة افرنتى. وكان هو فى غالب شهر رمضان وشوال والقعدة بجدة ونواحيها ، وأتاه فى شوال جلاب من جنوب اليمن ، فيها ما خرج منا حمل مراكب الكارم ، التى انصلحت برأس المخلاف ، فى شهر صفر من هذه السنة. فحصل له منها نفع جيد ، ثم وصلت المراكب الكارميّة إلى جدة ، وهو بها فى آخر ذى القعدة ، فصالحه التجار الذين بها على عشرة آلاف افرنتى ، بعد وصوله إلى مكة لملاقاة الحاج ، وتردد إلى أعيان الحجاج وخدمهم وهاداهم وهادوه ، وحج الناس مطمئنين ، فلله الحمد.
وحصل بجدة فى أوائل سنة ثلاث وعشرين ، خلل فى بعض مراكب الكارم ، عندما عزموا من جدة إلى ينبع ، فأمرهم الشريف بالتنجيل ، فصالحوه فى ذلك بألفى افرنتى ، وتوجه هذا المركب وغيره من مراكب الكارم وجلا بهم ، إلى ينبع ونجلوا بها.
وفى الرابع عشر من صفر من هذه السنة ، وصل كتاب من الملك المؤيد صاحب مصر نصره الله ، إلى الشريف يتضمن عتبه عليه فى أمور.
منها : أخذه الموجب من المتاجر السلطانية ، فإن فى المراكب المشار إليها حملا منسوبا لصاحب مصر.
ومنها : لكونه كان فى العام الماضى يشترى ما يرد بجدة من الحبّ والتّمر ويخزنه ويبيعه للناس.
ومنها : لتأخره إرسال ما بقى عليه للخزانة الشريفة السلطانية المؤيدية ، مما التزمه لها حين ولى إمرة مكة فى سنة تسع عشرة وثمانمائة ، وهى عشرة آلاف مثقال ؛ لأنه كان التزم بثلاثين ألف مثقال ، سلم عشرين وبقى عليه عشرة.
وفى الكتاب إليه عتب قوى لتأخيره إرسال هذا المبلغ ، وكلمات مزعجة للخاطر ، منها ما معناه : ولا تظن أن إهمالنا لك ، عجز عن حصولك فى قبضتنا الشريفة ، وإنما لما أحسنت منك السيرة فى بعض الأمور ، قلنا : لعل الله أن يحسن فى الباقى. وقد انزعج خاطره لذلك كثيرا ، وحمله ذلك على التنصل من إمرة مكة ، فكتب يسأل فى تفويضها لولديه : السيدين بركات وإبراهيم.