الجامعين بين الفضل والدين ، وعنده جد وإقدام ، وقوة نفس وتجرد وانقطاع. انتهى.
ووجدت بخط جدى أبى عبد الله الفاسى ، أن الحورانى هذا ، كان مشهورا بالزهد العظيم ، حتى لقد أقام بمكة زمانا لا يرجع إلى مأوى معين ، ولا يدخر شيئا من الدنيا. وله فى هذا المعنى أخبار كثيرة ، من شدة اطّراحه لنفسه وانسلاخه من الأسباب.
ووجدت بخط جدى أيضا ، أنه سمع يحيى بن محمد الطبرى : سبط الشيخ سليمان بن خليل يقول : كان الشيخ تقى الدين الحورانى حسن الجواب فيما يسأل عنه. فقلت له فى ذلك ، فقال لى : رأيت النبى صلىاللهعليهوسلم وتفل فى فمى.
فكان يرى أن هذه البركة من ذلك الأثر المبارك. انتهى.
وذكر ابن رافع فى ذيل تاريخ بغداد ، فقال : كان عارفا بالفقه والفرائض ، وكان شافعيا ، وذكر ابن رافع فى ترجمته : أن الإمام تقى الدين محمد بن الإمام شرف الدين الحسن بن على الصبرى ، حكى له عن والده ، أن التقى الحورانى هذا كان حنبليا ، وأنه صحب الحورانى هذا بمكة مدة طويلة ليلا ونهارا ، وكان ما يخطر بباله خاطر إلا كاشفه عليه ، قال : فخطر ببالى يوما ما كان سبب حاله وابتداء أمره فى سرى ، فقال : كان بدو أمرى أنى كنت معيدا بالمدرسة المستنصرية ببغداد ، وكنت ألازم الصوم ، وكنت أفطر على المباحات التى يرمى بها وأغسلها بالماء وأتناولها ، وكان خارج بغداد رجل صالح ، وله مكتب ، فكنت أجتمع له ، فحصل لى منه خير كثير. انتهى.
وذكره ابن مسدى فى معجمه ، فقال بعد نسبه كما ذكرنا : تفقه بالشام والعراق ، وتطور فى الآفاق ، وسمع شيئا من الحديث بدمشق وحلب وبغداد ، ونزل مكة ، ولم يكن بالحافظ. وحدث بغير أصول ، فوقع فى أمور لتفصيل جملتها غير هذه الفصول ، قد أظهر التحلى بالتخلى ، وأشار إلى التجلى ، وله فى كل مقام مقال ودعوى لا تقال ، لقيته بالحرم الشريف ، وأنست بظاهره ، فلم يتفق لنا خبره مع مخابره ، ينسب إلى طلب رياسة ما يقتفيها ، ودعوى طريق ما ينتهيها وينتفيها ، يعظم الدنيا وأمراها ، ويحتقر صعاليكها وفقراها ، إلا من يصفق له حين رقصه ، ويكمل دعواه بنقصه. وذكر أنه أنشده لنفسه هذه الأبيات [من البسيط] :
إن قلت فى اللفظ هذا النطق يجحده |
|
أو قلت فى الأذن لم أسمع له خبرا |
أو قلت فى العين قال الطرف لم أره |
|
أو قلت فى القلب قال القلب ما خطرا |
وقد تحيرت فى أمرى وأعجبه |
|
أن ليس أسمع إلا عنهم وأرى |