أبا بكر بن سنقر الجمالى أمير الحاج المصرى وغيره من أحباب أحمد بن عجلان ؛ قالوا لعنان وابن ثقبة : ارجعا إلى أحمد ، فإنه يجيب إلى ما طلبتما ، ونكتب إليه بذلك فلا يخالف. وهذا أخوه محمد يرجع معكما.
وكان توجه إلى مصر مغاضبا لأخيه وطالبا لخير يحصل له بمصر ، وحسنوا لمحمد أن يرجع معهما ، وأنهم يأمروا أحمد بكرامته ؛ فرجعوا إلى أحمد ، ولم يتوثق محمد من أحمد لمن قدم به ، ظنا منه أنه لا يخفره ، وأنه إذا لم يوافق على مقصودهما ردهما إلى مأمنهما.
ومن الناس من يقول : إنه ندب أخاه محمدا لإحضارهما ، فحضرا معه لذلك ، واجتمعوا بالسيد أحمد ، وقد جلس لهم مجلسا عامّا فيه الترك والعبيد ، وقرر معهم أن يقبضوا على عنان وحسن بن ثقبة إذا أشار إليهم بذلك.
فلما أشار بذلك قبضوا عليهما ، وركب من فوره إلى أحمد بن ثقبة ، وقبض عليه وعلى ولده على بن أحمد.
وكان أحمد بن ثقبة مظهرا طاعة أحمد بن عجلان ومعرضا عن موافقة أخيه حسن وعنان ، فما أفاده ذلك ، وقيد الجميع وضم إليهم أخاه محمد بن عجلان ؛ وسجن الخمسة بأجياد (٦) مدة يسيرة ، ثم بالعلقمية ، واستمروا بها إلى موسم سنة سبع وثمانين وسبعمائة ، وفى أولها كان القبض عليهم ، وفى موسمها نقلهم إلى أجياد ، وفى موسمها وصل إليه كتاب السلطان من مصر بإطلاقهم فلم يفعل ، ونقلهم بعد الموسم من أجياد إلى العلقمية عند المروة ، وكادوا أن يفلتوا منها فى أثناء سنة ثمان وثمانين ، ففطن لهم وردوا ، غير عنان فإنه نجا وتوصل إلى مصر ، وكان من أمره ما يأتى ذكره.
وبلغنى أن أحمد بن عجلان كتب إلى الملك الظاهر صاحب مصر ، يسأله فى رد عنان إليه ، فكتب إليه : وأما ما ذكرت من جهة عنان ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة :]. واستمر المذكورون فى سجن أحمد حتى مات ، فكحلوا بعده بنحو عشرة أيام ، وألم لذلك الناس ، وما حصل للراغب فى ذلك راحة ، وكان المتظاهر بذلك محمد بن أحمد بن عجلان ، فقتل بعد كحلهم بتسعين يوما ، وقتل كبيش بعد كحلهم بسنة ، وكانوا ترققوا لمحمد بن أحمد بن عجلان عند كحلهم ، فما أفادهم ذلك وترققوا لأبيه بأشعار كتبوها إليه ، فما أجدت ، فتم على كل منهم ما قضى الله به عليه.
__________________
(٦) أجياد : بفتح أوله وسكون ثانيه ، موضع بمكة يلى الصفا. انظر : معجم البلدان (أجياد).