إلى برهان ، فيكون المنبر على هذا ممّا عدل به عن وجه استعماله تجوّزا ، كما أنه عدل به أيضا في العربية الفصحى من التعميم إلى الخاص ، فإن معنى النبر في اللغة الارتفاع ، فالمنبر على هذا آلة الرفع ، أو محله ، ثم خصّص عند قوم بمحل الخطبة وعند غيرهم بكرسي الولادة ، وإنّما قلت آلة الرفع أو محله فقد قام الإمام الخفاجي على شرح درّة الغواص ما نصّه : «هذا تحقيق بديع لما فيه من الفرق بين اسم الآلة التي تتناول باليد وغيرها ، فيتعيّن كسر الأول إلا شذوذا فيفتح بعض من الثاني كمرقاة ومنارة لأنّه من وجه آلة ومن وجه مكان ، وهو فرق لطيف قلّ من تنبّه له أو نبّه عليه.
والحاصل أنه لا شكّ في كون المالطية عربية ، ولكنّي لست أدري أصل هذا الفرع أشامي هو أم مغربي؟ فإن فيها عبارات من كلتا الجهتين والغالب عليها الثانية ، غير أن الألفاظ الدينية من الأولى ، فيقولون مثلا : (القدّاس ، والقدّيس ، والتقربن ، والأسقف ، وما أشبه ذلك) مما لا يفهمه أهل المغرب. ومن المالطيين من يقرّ بأنّ لغتهم غير فينيقية ولا حبشية ولكن لا يكادون يقرّون بأنّها فرع العربية مكابرة وعنادا.
ولا يخفى أن كلّ لغة في العالم لا بدّ وأن يدخلها بعض ألفاظ أجنبية إمّا للحاجة إليها، أو لتقارب أهل اللغتين واختلاطهما كالعرب والفرس مثلا والرومانيين واليونانين في الزمن السابق.
وهذه اللغة العربية مع سعتها وغزارة موادها وكثرة تصاريفها لم تخل عن ألفاظ بعضها من الفارسية ، وبعضها من اليونانية ، وبعضها من الحبشية والهندية والسريانية والعبرانية. ولم يقل أحد إن العربية فرع عن هذه اللغات ، فكيف لعقلاء مالطة أن يقولوا : إن لغتهم فينيقية بسبب وجود كلتين منها فيها؟ وأقبح من ذلك أنّهم يظنّون أنّ فساد لغتهم وانعكاسها عن أصلها العربي ليس من العيب في شيء قياسا على أن الطليانية انفسخت على اللاتينية واستقلّت بصيغ خاصّة بها دون الأصل وهو مدفوع بأن العربية لم تنقض دولتها بعد كما انقضت اللاتينية حتى تستقل المالطية بقليل موادها ، وبأن المالطية لم يؤلّف فيها شيء إلى الآن من كتب العلم والأدب ، ولم يتكلم بها أقوام ، فالفرق واضح ، والحاصل أنّهم لا يرون فسادها ولا يشعرون بقبحها