فتحسب أن فيها شيئا يفتح منك اللهى ، فإذا كشفت عن إحداها ظهر لك الشواء ، ويليه البطاطة ، ثم الخلّر على حدتهما ثم خسة. وفي الخامسة زبدة مزابة مع آنية الأباريز ، وإذا شئت التفنن أحضروا لك سمكا مسلوقا. أما الشراب فالجعة لأنك لو أردت أن تشرب الخمر لزم أن يكون دخلك في العام دخل أمير في غيرها.
السكن
قلت قد أشرت في وصف باريس إلى بعض ما بينها وبين لندرة من الفرق في السكنى والمعيشة ، والآن أستوفي ذلك بناء على ما قال الفرنساوي من أن طيب العيش في لندرة إنما هو داخل الأبواب ، وفي باريس بخلاف ذلك. فأقول إن أهل الاستطاعة في لندرة كالتجار وغيرهم يستأجرون بيوتا ويستقلون بها ، وذلك لصغرها خلافا لديار باريس ، فلهذا كان صاحب العيلة يؤثر التنعم في بيته مع أهله على الخروج. أما الغرباء الذين ينزلون في الديار فيكون لأحدهم حجرة أو حجرتان ، فيمكنهم أن ينالوا طعامهم صبحا ومساء في منزلهم ، وذلك بأن يشتروا ما يريدون أكله ويأمروا الخادمة بطبخه ، ويعطوها شيئا زهيدا في مقابلة خدمتها ، وذلك أولى من أنهم يأكلون في المطاعم ، بل هو أنظف وأرخص. وفي هذه الخطة تفضل لندرة باريس ، فإن الغرباء في هذه لا ينزلون إلا في منازل كبيرة مشاعة ، فيضطرون وقت الأكل إلى الخروج إلى أحد المطاعم ، فإن الأكل في المنازل غال جدا. وهناك مزية أخرى ، وهي أن النزيل في لندرة يستأجر الحجرة في الأسبوع ، وفي باريس يستأجرها مشاهرة ، وإن كان مياومة لزم أن يدفع الضعف ضعفين ،
وأيضا فإن صاحب الدار في لندرة يعطي النزيل مفتاح داره ليمكنه أن يدخل ويخرج أيان شاء ، وفي باريس لا بد من قرع الباب بعد نصف الليل ليفتح له البواب ، غير أن النزيل في ديار لندرة لا يمكنه أن يخلو بالنساء في حجرته ، وفي باريس لا حرج في ذلك ، فإن طلوع المرأة إلى حجرة النزيل فيها أهون من طلوع رغيف الخبز ، كما أن طلوع المرأة في لندرة إليه أصعب من طلوع الفرن بناره ، وهذا شذوذ عن الأصل المتقدم إن قلنا بأنه من طيب العيش. إلا أن أكثر المنازل هنا يقوم بخدمتها