نساء حسان يغنين النزيل عن الخروج. ولأصحاب هذه المنازل عادة ذميمة وهي أنهم يستولون على مفاتيح عديدة متنوعة يفتحون بها صناديق السكان ، حتى إذا علموا أن ليس في صناديقهم ما يقوم بأجرة المسكن أنذروهم بالخروج. وهناك طريقة أخرى للسكنى في كلتا المدينتين وهي أنّ من شاء أن يمكث طويلا يستأجر حجرة أو حجرتين في دار من غير أثاث ، ويؤثثها كما أحب. ولكن يلزمه في لندرة ان يفتح الباب لقاصده وينور له في الدرج ، وفي باريس لا يلزمه ذلك. هذا ولما كان أرباب الحكومة في لندرة لا يعنون بما فيه تحسين المدن وتنظيم ديارها ، كانت ديار لندرة بالنسبة إلى ديار باريس حقيرة جدا ، إذ كل إنسان يبني داره كما تقتضيه حاله ، فمنها ما كان مشتملا على طبقتين فقط ، ومنها على ثلاث طبقات من دون مراعاة رونقها وهندمتها ومساواتها ، أو يقال إن الديار هنا لما كانت عرضة للحريق ، كان هم صاحب الملك مجرد الانتفاع بالبناء دون الزخرفة ،. وناهيك أن في لندرة ٢٦٠. ٢ دارا مشرفة على السقوط ، وما عدا ذلك فإن من يكون قاعدا في حجرة يرى مبلطها يهتز به كلما مرت عجلة من تحتها. فمحاسن لندرة كلها مقصورة على الحوانيت ، فإذا رفعت نظرك ما فوقها قابلك سواد الحيطان ، وحقارة الطوب وتفاوت الطيقان ، وخساسة المداخن البارزة من السطوح من الخزف ، وضعة البناء وما أشبه ذلك. وأعظم ما يشعر الناظر بهذا ما إذا قدم من باريس ، فإنه يرى الفرق عظيما جدا ، وخصوصا إذا اتفق قدومه في يوم الأحد حين تكون الحوانيت مغلقة ، فيحسب نفسه أنه في قرية صغيرة ، إلا أن في داخل الديار هنا مرافق لا توجد في باريس ، منها حسن المواقد وقد سبقت الإشارة إليه ، وكونها مشتملة على صهاريج من الماء على طيبه ، وفي باريس يلزم الساكن أن يشتري الماء من السائقين على رداءته. ومنها قلة درجها درجها وذلك نتيجة كونها غير شاهقة ، ولعلّ صاحب العيلة إذا استأجر دارا من بابها يهنئه العيش هنا أكثر مما يهنئه في باريس على كثرة ما يوجد في هذه من البدائع ، فإن الغيور على عرضه لا يهون عليه إذا كان نازلا في الدرج ليخرج إلى محترفه ، أن يرى آخر صاعدا مجاورا له. ولهذا تقول الإنكليز إن هناءهم جوّي ، وإن ديارهم أدعى إلى السكون والهناء من ديار غيرهم. وإذا سكن هنا في الدار ٢ أو ٣ واتفق تلاقيهما في الدرج فما أحد يكلم صاحبه ، وإذا زاره أخوه أو أخته وأطالا المكث