وحده لا شريك له ، وإقامة عناصر الخير ومبادئ الحق في الأرض ، بل هو في عقيدة الإسلام مرحلة أولية من مراحل عالم الآخرة ، عالم الخلود والبقاء ، عالم الجنة والنار ، حيث الناس هناك باقون رهائن أعمالهم ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (١) فإما نعيم دائم ، أو عذاب مقيم .
إنه العالم الذي يتجلّىٰ فيه عدل الله تعالىٰ وصدق وعده ووعيده ، فذاك عالم الجزاء على ما كان في هذا العالم ، عالم الابتلاء . .
من هنا فإنّ الإيمان بأنّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد ، في اليوم الموعود ، فيثيب المطيعين ويعذّب العاصين ، يعدّ من العوامل الأساسية في السيطرة على الغرائز الإنسانية والأهواء النفسية ، ويشكّل رادعاً عن اقتراف الذنوب ، ويجعل من وجود الانسان في الحياة الدنيا وجوداً مكرّماً ، فيسعى إلى تفعيل عناصر الخير والصلاح والفضيلة والكمال في نفسه ، وفي اُسرته ومجتمعه ، ليتهيأ لما يستقبله بعد الموت من شدائد القبر وأهوال الحساب .
إنّ الإيمان بالمعاد ، من ناحية أخرىٰ ، يحيي الأمل في نفوس البشر ، وهي تتطلّع إلى حياة الآخرة ، المعبّرة عن عدل الله وصدق وعده ووعيده ، فيجدّون في ترسيخ قيم الأخلاق والدين ، ويتحمّلون الصعاب في سبيل الاصلاح والدعوة إلى الحقّ والصدق والعدل .
وفي هذا البحث سنسلّط الضوء على هذا الموضوع ، في أربعة فصول ، نتناول فيها تعريف المعاد وآثار الاعتقاد به ، وأدلة وجوبه وضرورته ، وبيان حقيقته ، والردّ على شبهات المنكرين ، ومنازل المعاد كالموت والحياة البرزخية ، وأشراط الساعة ، ومشاهد يوم القيامة ، وغيرها .
أجارنا الله من غضبه وسطوته ، وشملنا بعفوه ورحمته
__________________________
١) سورة المدثر : ٧٤ / ٣٨ .