فراشه ننتظر مستسلمين انجلاء المحنة على أي وجه ؛ ناهيك عن أنه كان علينا أن نحافظ على توازننا / ٩٧ / لأن ميل المركب كان شديدا ، ويجعل فرشتينا تنقلب إحداهما فوق الأخرى كأنهما ورقتا كتاب ، ويسطحنا بينهما كأننا نبتتان في كتاب الأعشاب ، ثم يقذفنا بعنف على جانبي المركب متعرضين لخطر أن تهرس رؤوسنا ، زد على ذلك أن الماء كان يتسرب من كل مكان ، وكأنما كنا نسبح في مياه البحر حقا. ولحسن الحظ أننا لم نصب بدوار البحر مما كان سيزيد الطين بلة.
استمر ذلك الكرب طوال الليل ، كانت ليلة طويلة من ليالي الشتاء ، ولم يضع النهار حدا لذلك الكرب ، بل كان استمرارا لليل وأكثر سوء منه : واستمرت العاصفة حتى المساء ؛ حينئذ فقط ارتحنا بعض الارتياح ، وسمح لي بمغادرة فراشي وسجني. ولما كان القول : عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم صحيحا كل الصحة فإن العاصفة دفعتنا في وجهتنا التي نريد ، وكان لها على الأقل ميزة ، تكمن في أنها جعلتنا نقطع في وقت قليل مسافة كبيرة من الطريق. وألقينا المراسي عند غياب الشمس ، في جزيرة مقفرة ورملية اسمها نعمان ، تقع على مقربة من الشاطئ الذي تقع عليه ضبا ؛ وهي قرية كبيرة من العربية الصخرية مشهورة بطيب مياه آبارها.
إن خليج العقبة الذي قاسينا ما قاسينا في تجاوزه ، وترك في نفسي ذكريات مؤلمة ، هو مثل خليج السويس جون صغير على البحر الأحمر الذي ينفتح / ٩٨ / في هذا المكان ليوسع مكانا لشبه جزيرة سيناء. لقد اكتسب خليج العقبة اسمه من قلعة (١) قديمة مهدمة اليوم ، تكاد تشغل كل مؤخرته ، وتحدد أقصى الأراضي المصرية.
__________________
(١) انظر وصفا لهذه القلعة في كتاب : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ١٩٤ ـ ١٩٥.