قلت : إن المراكب في البحر الأحمر ، لا تسير ليلا أبدا. وقد كان ينبغي هنا بالتأكيد الالتزام بهذا العرف ، والبحث عن ملجأ يقينا هذا الجو العاصف ، ولكن الأمر هذه المرة كان مستحيلا ؛ لقد وصلنا خليج العقبة الذي كان ينبغي تجاوزه كاملا لكي نجد ملجأ أو مرفأ ، إذا ، كان ينبغي الإبحار طوال الليل على الرغم من عتو الأمواج المتزايد أبدا ، ومن عنف الهواء. / ٩٦ /
كان المركب يسير بلا بوصلة ، لأنني لا أستطيع إعطاء هذا الاسم للبوصلة البدائية المصنوعة من الخشب ، والتي لا يكاد أحد ينظر إليها في النهار ، وليست مضاءة في الليل أبدا ، كنا نسير وسط الظلمات نحو المغامرة بلا أمم ، وحسبما تقودنا العاصفة ، ولمّا يئس البحارة من السيطرة على المركب ، وهم لم يحاولوا ذلك ، فإنهم تركوا قيادة السنبوك ، واستسلموا للكسل والرعب ، سلموا أمرهم لله وحده في توجيه المركب وحمايته ؛ بعضهم صمت ، وبعضهم الآخر كان يستغيث بكل أولياء الإسلام. وكان أحد خدمنا ، التركي الذي تحدثت عنه سابقا ، يزيد من حالة الرعب العام ، كان في أقصى حالات الخوف ، يثير الضحك في بعض حالاته ، حتى إنني كنت سأضحك من ذلك ملء شدقي لو كان الضحك مقبولا في مثل هذه اللحظات. كان السنبوك يصرّ عند كل عاصفة عابرة كما لو أنه سيخرق ، وكان يميل على جانبيه كل الميل ، حتى ليخيل أنه من المستحيل أن يستوي مرة أخرى ، وكنت أنتظر أن أراه بين لحظة وأخرى وقد انقلب أعلاه سافله. كان الموج يغطي كل شيء ، ويكتسح كل شيء ، حتى الكوثل على الرغم من ارتفاعه. ولما لم يكن باستطاعتنا ، رفيق سفري وأنا ، مواجهة ذلك إلّا في المقصورة ، فقد كنا هناك مستلقيين جنبا إلى جنب ، كلّ على