وقد خرجت من باب المدينة المنورة للقيام بجولة في الريف فلم أر شجرة واحدة ، ولم أكتشف إلّا الصحراء العقيمة التي تمتد قاحلة وعارية من البحر إلى الجبال. ولا نجد بعض المزروعات والمساحات الخضراء إلّا على بعد ست أو سبع ساعات من المسير ، وذلك في ينبع النخل ؛ وهي تقع في واد كبير مزروع بنخيل التمر والقمح ، ويملك فيها السكان الأغنياء حدائق ومنازل ريفية ، يذهبون إليها على الحمير لأنه ليس فيها إلا عدد قليل من الخيول ، ويقضون فيها شهرا في السنة إبان موسم التمر. إن في ذلك الوادي الواقع في أسفل الجبال عددا / ١١٢ / من القرى يقارب اثنتي عشرة قرية ، بيوتها مبنية من الحجارة ، وهي ، إن صح التعبير ، أحسن بناء من بيوت المدينة نفسها ، ولكن ليس بدرجة كبيرة ، ويسكن في إحدى تلك القرى كبير مشايخ قبيلة جهينة الكبيرة ، التي ينتمي إليها سكان ينبع (١). لقد ظلت قبيلة جهينة متمسكة بالبداوة ، مع
__________________
(١) قال بوكهارت في رحلاته ... ، موثق سابقا ، ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥ : " ... وأهل ينبع أقل تحضرا من أهل مكة المكرمة وجدة ، وفي طباعهم خشونة ، ويسلكون بعض الأحيان سلوكا فظا ، إلا أنهم من ناحية أخرى أكثر انضباطا وأقل ممارسة للرذائل. وهم يحظون بشكل عام في الحجاز ، بسمعة طيبة. ورغم أن ينبع لا تضم أفرادا ذوي ثروات كبيرة ، إلا أن كل فرد فيها يبدو مطمئن البال وثريا أكثر من أهل مكة المكرمة. ومعظم الأسر المحترمة في ينبع تمتلك منازل ريفية في واد مثمر يقال له ينبع النخل ، أو قرى ينبع (قرايا ينبع) أو ينبع البر ، وهي تبتعد عن ينبع بحوالي ست ساعات أو سبع ، عند سفوح الجبال صوب الشمال الشرقي. إن ينبع النخل مشابهة لأودية الجديدة والصفراء ، حيث ينمو النخيل وتزرع الحقول ، وتمتد ينبع النخل مسيرة سبع ساعات طولا ، وتشتمل على اثنتي عشرة قرية صغيرة متناثرة على جانب الجبل ، وأكبر هذه القرى سويقة ؛ وهي مكان عقد السوق ، حيث يقيم كبير مشايخ جهينة ، ويعترف بسلطته بدو جهينة وأهل ينبع على حد سواء."