وكان أكثرها ظهورا لنا (١) صبح ، والنّباع (٢) ، وجبل بني أيوب ، وكلما تقدمنا نحو الجنوب تكاد الجبال جميعا تأخذ شكلا هرميا ، وأكثر تلك المخروطيات العالية ظهورا هو مخروط كلّية ، وإذا تقدمنا أكثر نحو الجنوب ، فإن الجبال تنخفض انخفاضا قليلا ، وكلما اقتربنا من جدة يصبح الساحل سهليا. تنتشر بين تلك الجبال الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة أشجار البلسم المكي الذي يتمتع بسمعة طيبة في الشرق ، بل في الغرب أيضا ، ويجنى من تلك الجبال عسل ذو مذاق لذيذ ، لونه أبيض برّاق. وهنا أيضا تتكاثر أشجار الأراك (٣) التي يتخذ منها العرب مساويك لأسنانهم. وتسكن في المناطق العالية نسور جريئة ، حتى إنها تهوي على القوافل ، وتختطف ما في صحون طعام الحجاج. وقد أكد ذلك بوركهارت ، وكان هو نفسه أحد ضحايا هذا الاختطاف الفظ (٤). أما المناطق المنخفضة فيسكنها أعراب زبيديون من قبيلة حرب
__________________
(١) كذا في الأصل Loubeh ولعل صوابهاSoubeh ـ صبح (جبل) وهو منطقة قبيلة صبح القوية المتفرعة من قبيلة حرب. قال بوركهارت : ... وتوجد هنا بشكل رئيسي أشجار البلسم المكي ، وسنا مكة المكرمة أو السّنا العربي الذي تصدره قافلة الحجيج السوري ولا يجمع إلّا من هذه المنطقة. انظر : رحلات بوكهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٢٨٢.
وانظر : ص ٢٨٥ أيضا ففيها حديث مفصل عن البلسم المكي.
(٢) في الأصل : Napa.
(٣) في الأصل :Un arbuste dont les Arabes font leurs brosses dents
والترجمة الحرفية هي :وشجرة الأراك جنبة (وهي كل شجرة علوها متران إلى سبعة أمتار تظل صغيرة وإن شاخت) يتخذ منها العرب مساويك لأسنانهم.
(٤) قال بوركهارت في رحلاته ... ، موثق سابقا ، ص ٣٧٢ : " ... ويوجد في الجبال المجاورة أعداد هائلة من النسور (الرخم) إذ كانت المئات منها تحوم حولنا ، وبعضها كان ينقضّ ـ بالفعل ـ ويخطف اللحم من صحوننا." انظر تعليق المترجمين رقم (٣) في الصفحة نفسها.