لقد تغيرت الأمور اليوم : فالمسيحيون يتمتعون اليوم في جدة بكامل حريتهم ، وبأمن يوازي ما يجدونه في مصر وإستانبول. لقد تجولت في أنحاء المدينة كلها ، في كل أوقات النهار والليل ، وحدي في غالب الأحيان ، ولم يتعرض لي أحد بشتم قط ، ووجدت من الناس كلهم لطفا وفضلا (١). ولم يزعجني إلّا المتسولون الذين ينتشرون في كل أحياء المدينة ، ويكادون جميعا يكونون من الهنود ، قدموا من أوطانهم للحج ، وتقطعت بهم سبل العودة لنقص في المال ، ولما لم يكن لهم أي موارد ، فإنهم ظلوا هنا عالة على الناس. هناك كثير من الحجاج المصريين والنوبيين ، وخصوصا من سود السودان ، وهم كالهنود في الفقر ، ولكنهم يعملون بشجاعة لكسب المبالغ البسيطة الضرورية لعودتهم إلى مسقط رأسهم ، أما الهنود الذين هم أكثر بلادة وكسلا فهم يحبون / ١٢٧ / العيش على الهبات ، ويفضلون المنفى الأبدي على العمل ، مهما كان بسيطا. إلا أن بعضهم ، وهم قلة قليلة ، يمتهنون مهنا حضرية مختلفة : فقد استخدمت خلال إقامتي خياطا كشميريا ذا مهارة وصبر نادرين. لقد أحست الحكومة البريطانية بالتأثر لهذه الهجرات السنوية ، ولكن سياستها لم تكن تسمح لها بمضايقة مواطنيها المسلمين في ممارسة عبادتهم ، واكتفت باعتبار القباطنة التجار مسؤولين عن إعادة الحجاج الذين يحملونهم إلى جدة. ونتج عن ذلك أن هؤلاء لم يعودوا يقبلون على أي سفينة إن لم يبرهنوا على أنهم قادرون على تأمين نفقات ذهابهم وعودتهم.
__________________
(١) انظر تحليلات بوركهارت بهذا الخصوص في رحلاته ، ص ١٩٠.