إن حكومة الأشراف / ١٦٩ / تتفق في أشكالها البسيطة مع طبائع الصحراء. فلم يكن هناك في أكثر الفترات ازدهارا أي حفلات عامة لتنصيب الأمير الجديد ، ويقتصر الأمر على أن يستقبل الأسر الكبيرة التي تزوره ، والتي تكون غالبا قد وقفت ضده ، بينما تعزف فرقة موسيقية أمام بابه ، كما هي العادة في بلاد إفريقيا ، ويدعو له الخطباء في المساجد. يخاطبه أفراد رعاياه منذ لحظة استلامه للشرافة ب" سعادتكم" وهو لقب احتفظ به الشريف الحاكم حتى اليوم ، ويطلقه الناس أيضا على كل الباشاوات ؛ وعندما يخرج الشريف على حصانه ، يكون إلى جانبه فارس يحمل مظلة ؛ وليس في ثيابه ما يميزه في شيء من بقية زعماء أسر الأشراف ، ومجلسه خال من كل علامات الأبهة والفخامة ، ولم يكن هناك مراسم أو شكليات تفصله عن الشعب. وكان البدو ، وما زالوا ، يدخلون إلى قصره كما يدخلون إلى خيمة أي شيخ عادي من شيوخهم ، ويخاطبونه في أمورهم بكل حرية ، وبعفوية لا تكاد تجدها إلا عند سكان الصحراء. وإن الشريف الأكبر أمير مكة المكرمة ليس في حقيقة الأمر إلا شيخ قبيلة أقوى من الشيوخ الآخرين ، وإن سلطته ، مع أنها أكثر اتساعا من سلطتهم ، لها الصفة نفسها ، وتقوم على الأسس نفسها ، وتنبثق عن المبادئ نفسها. والشريف عند نفسه ليس أقل قدرا من السلطان نفسه ، ليس باعتباره أميرا ، وإنما باعتباره شريفا ؛ أي سليلا مباشرا للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وإن سلطته مع ذلك ، ليست سلطة تيوقراطية كما / ١٧٠ / هو شائع في أوروبا ؛ إنها سلطة دنيوية خالصة ، تنتهي عند باب المسجد ، وليس لها أي تأثير في مجال العقيدة والعبادة (١).
__________________
(١) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٢٠١ ـ ٢١٧ ؛ وانظر : صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ١٩٧ ـ ١٩٨.