تغط في نوم عميق ، ومع أننا كنا / ٢٧٤ / ثلاثين رجلا ، وستة عشر جملا أو هجانا ، وثلاثة أو أربعة أحصنة في مكان ضيق ، فقد نام كل واحد حيثما توفر له المكان. كان الصمت مطبقا ، وحسبت نفسي وحيدا. كنت مستلقيا على سجادتي ، وملتفا بعباءتي ، كنت آخر من تسلل النوم إلى جفونه ، وبانتظار أن يغلق النوم جفنيّ أرخيت العنان لبصري ليجول في قبة السماء الواسعة المتلألئة التي لم تكن قد انطفأت بعد في نظري ، كما هي الحال عليه اليوم. ومنذ أن انطفأ نور السماء أمام عيني ، في الوقت الذي تضيء للآخرين ، فإنني أعود بذاكرتي برقة خالصة ، مشوبة بالحزن ، إلى ليالي الجزيرة العربية التي طالما أسعدتني بروعتها ، وأحب أن أرى بنور البصيرة ما لم أعد أستطيع رؤيته بطريقة أخرى.
ولّما كنت قد حرمت للأبد من أكثر المشاهد التي يمكن للإنسان تأملها روعة ، مشهد هو أكثر مهابة أيضا في تلك المرتفعات المميزة ، فإنني أمتح من ذكريات الماضي ما يعزيني في الحاضر ، ويمنحني للمستقبل شجاعة وقوة ، كي لا أضعف وسط الظلمات التي تحيط بي ، وحتى أستطيع ، وأنا أحتضر في ظلمتي ، وأنا أعيش مستسلما لها ، أن أردد مع أحد الشعراء :
لقد غرقت ، وصرت اليوم في لجج |
|
من الظلام ولا أرجو شواطيها |
وعالم النور قد سدّت منافذه |
|
أمام عيني ولا شيء يداويها |
وإن روحي تضاء اليوم آملة |
|
أن السلام من الحسرات ينجيها |
وإن علمي أن المرء مختبر |
|
أعطى الحياة كثيرا من معانيها |