ولمّا لم يعد لدي ما أفعله في جدة فلم أكن أفكر إلّا في مغادرتها في أسرع وقت ممكن ، لكي أعود إلى القاهرة ، ولكن ، عبر أي طريق؟ ترددت بعض الوقت ، لأن الاختيار لم يكن سهلا. وينبغي أن أقول في هذه المناسبة إن الشريف الأكبر في الطائف عرض علي أمرا مغريا : لقد عرض علي / ٣٠٥ / ، وإن بتلميح دون تصريح ، وبوساطة أحد أعوانه ، أن يرسلني إلى البصرة وبغداد عبر نجد إذا كانت رحلتي تمضي في هذا الاتجاه. وقد كان للأسف يعرض عليّ السير في الاتجاه المعاكس : كنت أود المرور مرة أخرى عبر مصر ، ولم أفكر بالذهاب إلى المدينتين المذكورتين ، وعلى الأقل بغداد ، إلّا في وقت متأخر عبر دمشق وحلب وصحراء الرافدين الواسعة ، لأصل بعد ذلك إستانبول عبر طربزون (١) Trbizonde.
تماسكت إذا أمام الإغراء المذكور ، وبقيت على مخططي السابق. وقد أصابني في الصيف الماضي زحار شديد لم يسمح إلّا بإنجاز مرحلة صغيرة من تلك الرحلة ، وقد منعني فقدان بصري إلى الأبد من القيام بالرحلة كاملة.
كان بوسعي العودة من جدة إلى القاهرة كما أتيت ؛ وقد كان أمين بيك يستعد في تلك الفترة بالتحديد لإرسال سفينة شراعية مصرية إلى القصير ، وكنت أستطيع من هناك خلال بضعة أيام أن أذهب لركوب النيل في قنا. وقد تفضل بوضع السفينة تحت تصرفي ؛ ولكن هذه الوسيلة التي تبدو في الظاهر سهلة كانت تبدو لي مستحيلة التنفيذ عندما فكرت فيها. لقد كان علي في البداية أن أسلك مرة أخرى طريق العودة من
__________________
(١) مدينة تركية في القسم الأسيوي (الأناضول) على البحر الأسود.