في العراء دون أن يكون لنا ما يحمي رؤوسنا إلّا سقوف خيامنا ، ولكننا مع ذلك لم نكن نستطيع التراجع عن خطوتنا الجريئة ؛ ولم يتعرض مخيمنا لأية مضايقة. ولكننا تعرضنا لحادثتين / ٢٩ / من نوع آخر ، ويحسن أن أسجلهما لتكونا عظة للرحالة الذين يسيرون على خطانا في المعاناة من حياة الرحيل ومشكلاتها البسيطة التي لا تخلو منها الحياة الإنسانية عموما ، وحياة كل فرد على وجه الخصوص. كان يقوم على خدمتي شاب أسود ، كان من قبل في خدمة كلوت بيك (١) Clot ـ Bey الذي اصطحبه إلى باريس ، حيث تعلم الفرنسية هناك ، وكان اسمه عبد الله ، وكان يحب الموسيقى ، ويحب أن ينفخ بالمزمار ، وهي بلا شك تسلية بريئة ، إلّا أنها كانت مع ذلك وبالا عليّ. كان عبد الله في إحدى الأمسيات يمتطي أحد المدافع التي تحدثت عنها ، وكأنه على ظهر حصان ، وكان ينفخ في آلته الموسيقية المفضلة ، وقد نسي شمعة مضاءة في خيمتي مما تسبب في إشعال النار فيها ، وأكلت النار الخيمة تماما ، وحولتها إلى كومة من الرماد ، وقد عانينا صعوبات جمة في إنقاذ أمتعتي الخاصة من ألسنة اللهب. ولست بحاجة إلى القول : إن أحدا من السكان الأصليين لم يفكر بمديد العون
__________________
(١) كلوت بك Clot ـ Bey ضابط وطبيب فرنسي عضو الأكاديمية الملكية الطبية في باريس ، زار مصر ثم استقر فيها ، ويعد مؤسس الخدمات الطبية فيها. وضع كتابا بعنوان : لمحة عامة عن مصر نشر في عام ١٨٤٠ م. اتهمه عدد من الرحالة بأنه كان من المدافعين عن سياسة محمد علي. انظر : مصر في كتابات ... موثق سابقا ، ص ١٠٠.