[قالت :] قم فاخرج ، ثم قامت وجاءت المرأة فشدّت عيني ، ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي ، وانصرفت وتركتني ، فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله أعلم ، وبتّ ليلتي ، فلما أصبحت إذا أنا بها ، فقالت : هل لك في العود؟ فقلت : شأنك ، ففعلت مثل فعلها بالأمس ، حتى انتهت بي إلى الموضع ، فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسيّ ، فقالت : إيها يا فضّاح الحرائر ، فقلت : بما ذا ـ جعلني الله فداك ـ أيضا؟ قالت : بقولك (١) :
وناهدة الثديين قلت لها : اتّكي |
|
على الرمل ، من جبّانة لم توسّد |
فقالت : على اسم الله أمرك طاعة |
|
وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد |
فلما دنا الإصباح قالت : فضحتني |
|
فقم غير مطرود ، وإن شئت فازدد |
[قالت] قم فاخرج عني ، فقمت ، فخرجت ثم رددت ، فقالت لي : لو لا وشك الرحيل ، وخوف الفوت ، ومحبتي لمناجاتك والاستكثار من محادثتك لأقصيتك ، هات الآن كلّمني وحدّثني وأنشدني ، فكلّمت آدب الناس وأعلمهم بكل شيء ، ثم نهضت وأبطأت العجوز وخلا البيت ، فأخذت أنظر فإذا أنا بتور (٢) فيه خلوق ، فأدخلت يدي فيه ثم خبّأتها في ردني ، ثم جاءت العجوز فشدّت عيني ونهضت بي تقودني ، حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب ، ثم صرت إلى مضربي ، فدعوت غلماني ، فقلت : أيكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنه أثر كفّ ، فهو حرّ وله خمسمائة درهم ، فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال : قم ، فنهضت معه ، فإذا أنا بالكفّ طرية ، فإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ، فأخذت في أهبة الرحيل.
فلما نفرت نفرت معها ، فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة ، فسألت عن ذلك فقيل لها : هذا عمر بن أبي ربيعة فساءها أمره ، وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه : قولي له نشدتك الله والرحم إن فضحتني (٣) ويحك ، ما شأنك؟ وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك (٤) ، فصارت إليه العجوز فأدّت إليه ما قالت لها فاطمة ، فقال : لست
__________________
(١) الأبيات في ديوان عمر ط بيروت ص ١٢١.
(٢) التور : إناء صغير ، والخلوق : نوع من الطيب.
(٣) الأغاني : أن تصحبني.
(٤) وتشيط بدمك ، يقال : أشاط دمه وبدمه : أهدره وعرّض نفسه للقتل.