قال لي إبراهيم بن محمود ـ ونحن ببغداد : ـ ألا ندخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت : ما لي وله؟ قال : إنّك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه ، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه ، ثم لم [يزل](١) بي حتى دخلت عليه يوما ، فقدم إلينا طبقا عليه رطب ، فتناولت منه ثلاث رطبات وأمسكت ، ومرّ فيه إبراهيم ، فأشرت إليه أن يمسك ، فرمقني الجاحظ فقال لي : دعه يا فتى ، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني ، فقدمت إليه الرطب فامتنع ، فحلفت عليه ، فأبى إلّا أن يبرّ قسمي بثلاثمائة رطبة.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو محمّد الحسن بن عيسى بن المقتدر ، نا أحمد بن منصور اليشكري ، نا بعض مشيختنا قال محمّد بن عمر بن جميل ، نا أحمد بن محمّد البلاذري ، نا محمّد بن عبد الله بن القاسم العمري قال : سمعت الجاحظ يقول :
رأيت جارية ببغداد في سوق النّخّاسين ينادى عليها ، فدعوت بها ، وجعلت أقلّبها ، فقلت لها : ما اسمك؟ قالت : مكة ، قلت : الله أكبر ، قد قرّب الله الحج ، أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت : إليك عنّي أولم تسمع الله تعالى يقول : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ)(٢).
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٣) ، أنا الصّيمري ، أنا المرزباني ، أخبرني محمّد بن يحيى ، نا أبو العيناء قال : كان الجاحظ يأكل مع محمّد بن عبد الملك الزيات فجاءوا بفالوذجة ، فتولع محمّد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته مارق من الجام ، فأسرع في الأكل ، فتنظف ما بين يديه ، فقال ابن الزيات : تقشعت سماؤك قبل سماء الناس ، فقال له الجاحظ : لأن غيمها كان رقيقا.
قال (٤) : ونا أبو العيناء قال : كنت عند ابن أبي داود (٥) بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيدا ـ وكان في أسبابه وناحيته ـ وعند ابن أبي داود محمّد بن منصور ـ وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان ـ فقال ابن أبي دواد للجاحظ : ما تأويل هذه الآية (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)(٦) فقال : تلاوتها تأويلها أعزّ الله
__________________
(١) زيادة عن «ز» ، وم ، وتاريخ بغداد.
(٢) سورة النحل ، الآية : ٧.
(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.
(٤) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٨.
(٥) بالأصل وم و «ز» ابن أبي داود تصحيف ، والتصويب عن تاريخ بغداد ، وقد صححت في كل مواضع الخبر.
(٦) سورة هود ، الآية : ١٠٢.