من الطين ، والقرنة بلدة كبيرة على ما تظهر ، وموقعها مهم نظرا لكونها مشيدة امام هذا النهر الواسع العظيم ، والى يسارها فرع كبير من دجلة اذ يلتقي هناك من جديد ...
عند الاصيل نشرت الاشرعة على الصواري ، فعاد الدانك يمخر عباب النهر ، ولم يكن النهار صحوا ، فقد هبت عاصفة ، ظننتها في اول الامر كالضباب الكثيف ، ثم ظهرت على حقيقتها ، فاذا بها عاصفة رملية (وهذا امر عادي في ضواحي البصرة خلال اشهر الصيف). اما الليل فقد كان هادئا جدا ، وكان بامكاننا ان نرى على ضوء القمر حركات غريبة كان يقوم بها درويش هرم تدل على انحراف في مسلكه ...
لقد لاحظت المسلمين خلال مدة سفري كلها ، ابتداء بمدينة طرابلس والى البصرة انهم يؤدون الصلاة يوميا ، منذ الصباح الباكر عند نهوضهم ، ثم في منتصف النهار ، وفي المساء عند الغروب ، وهم يصلون بسجدات وركعات وانحناءات متكررة ولم يتأخروا عن موعد اداء الصلاة ، فكانوا ينزلون عن الخيل ويتركون كل عمل اخر من اجل القيام بالصلاة ... وللمسلمين ادعية كثيرة واوراد يرددونها دائما ونحن في المركب ، يطلبون السفر الميمون الموفق ...
اخيرا مررنا بقرية «العين» Lain الصغيرة ، وبجزيرة يقوم عليها بستان الوالي ، فرأينا عن بعد والفرح يغمر قلوبنا ، مراكب الافرنج ، ثم وصلنا الى اسوار جديدة جميلة ، لكنها من الطين ايضا.
ويعتقد امير البلدة (واليها) ان بامكانه ادارة البصرة والدفاع عنها بواسطة هذه الاسوار ، وهو يقيم في قلعة كردلان (١) وهي حصن لا باس به.
وبعد ان وزعنا الحلوان (البخشيش) حسب العادة ، استقللنا قاربا صغيرا ، سار بنا في القناة لان المدينة لا تزال بعيدة نحو ميل ، وهكذا بعد سفر
__________________
(١) لا تزال معروفة وتعني ارض التل او مأوى التل. وتقع قرية كردلان في الجانب الشرقي من شط العرب في مقاطعة تنومة وهي تجاه البصرة تماما.