الفصل الثالث عشر
مكوثنا في مدينة الموصل وسفرنا الى بغداد
يمر نهر جدلة بسور هذه المدينة من جهتها الشمالية ، والنهر عريض لكنه ضحل وقد نقصت مياهه في هذا الموسم ، لانه فصل الجفاف ، ولهذا السبب لم يكن بالامكان السفر الى بغداد عن طريق النهر ، لا بالقارب ولا بالطواف (الكلك) ، ويصنع الكلك من اعواد متماسكة تشد فوق قرب مليئة بالهواء مربوطة الى بعضها بعضا.
عبر افراد القافلة المرافقون للخزنة نهر جدلة واكملوا طريقهم الى بغداد مساء اليوم التالي لوصولنا ، بينما بقيت انا في الموصل تلبية لرغبة رفيق السفر الارمني لكنني ، والحق يقال ، ندمت فيما بعد لتأخري عن تلك القافلة ، وتكبدت من جراء ذلك بعض الاضرار ، بينما استفاد الارمني لكونه تمول ببضائع كثيرة فهبطت تكاليف سفره في طريق البر.
ان الموصل مدينة كبيرة ، لكنها لا تقاس عظمة بالنسبة الى نينوى القديمة ، التي كانت ، حسبما يروون ، في الجهة الثانية من النهر ، هناك حل الشباب التقي طوبيا (١) وقد اصابها الخراب (يعني مدينة الموصل) كما اصاب مختلف المدن العثمانية ، والحقيقة المؤسفة هي ، ان الحكم العثماني اتى الى العالم لا ليبني بل ليهدم ، وقد لمست لمس اليد هذا الواقع في كل الاصقاع التي مررت بها خلال سفري ، فلم اجد مدينة تستحق الاعتبار ، الا حلب ، ويرجع الفضل في كون حلب لا تزال جميلة ومنظمة الى وجود الفرنج فيها.
__________________
(١) يشير الكاتب الى قصة طوبيا كما جاءت في الكتاب المقدس (العهد القديم ـ سفر طوبيا).