الفصل الثاني والثلاثون
السفر الى الموصل
عندما بلغ خبر دفعنا الرسوم [في العمارة] الى آغا الانكشاريين ، فانه امر الصوباشي (١) بان يتحقق في القضية ويتخذ حالا الاجراءات اللازمة لاظهار الحق ، ففتش في قائمة السيكورتا ، وهي قائمة باسماء الموظفين ومراتبهم ، ومحل عملهم (والاحتفاظ بنسخة من هذه القائمة في الديوان ، عادة جيدة عند العثمانيين لانها جزيلة الفائدة في حالات كهذه). وامر الاغا ان تعاد الينا المبالغ التي ابتزت منا في العمارة ، وان يلقى القبض على اولئك الموظفين ويقادوا الى بغداد ليتلقوا العقاب وهو عادة ضربات العصي. لكننا فكرنا مليا بالامر ، واردنا ان نكون ارحب صدرا واكثر عفوا لان المسامح كريم ، فقبلنا استرجاع المبالغ ورفضنا انزال العقاب بالموظفين ، وكانت المبالغ قد وصلت الى يد الصوباشي فنزل صاحبنا عند طلبنا ، واراد ان يظهر سخاءه الواسع وكرمه الحاتمي وذلك بتوزيع المبالغ المذكورة توزيعا عادلا كما ادعى ، على القبوجي والكاتب وبقية الموظفين الذين اهتموا بقضيتنا.
سمعت عند وصولي الى بغداد ، بان قافلة كبيرة تستعد للسفر الى حلب ، وكان من جملة المسافرين فيها اخوان اثنان للقس الياس ، الذي سبق ان ذكرته اكثر من مرة ، فرأيت الفرصة سانحة ، نظرا لوجود من يرافقني ، ولا سيما السرعة في السفر ، لاني كنت اخاف من حلول موسم البرد والامطار ، فقررت
__________________
(١) لفظة صوباشي او سوباشي تطلق على الموظف الذي يقوم بعمليتين هما اليوم مهمة الشرطة والبلدية ، فهو يوزع الماء ويجبي الواردات ، ثم اخذت هذه الوظيفة تعني ايضا ملازم الجند الذي يقوم باعمال الشرطة.