واحد ماهر على آلة تشبه البيانو القديم ، وعوضا عن الاصابع الخشبية الطارقة ، لها اوتار تنقر باظافر من الفضة ، وفي نهاية الاصابع حلقات لشد الاوتار (١) وسمعت الشاب ينشد ابياتا من الشعر التركي وهو يضرب على الالة ، فكان الصوت والنغم خير تعبير عن طبيعة ذلك الشعب وغطرسته ...
كان محمود جلبي قد ترك البصرة منذ شهر فسافر في الدانك الى بغداد ، وفي تلك الليلة بالذات كان قد مل من السفر بالدانك فنزل الى اليابسة مع بعض التجار ، وتبعه اعراب كثيرون ، فساروا في طريق بغداد ، نظرا الى ان الدانك يتأخر نحو ستة ايام ليصل الى بغداد ومن ثم لتعرجات دجلة الكثيرة .. هكذا سرنا برفقة محمود جلبي الى بغداد ، لانه الح علينا ان نكون معه لنتخلص من الاخطار ...
عندما اقتربنا من بغداد ، لمحنا رجلا راكبا حصانه ينهب الارض نهبا متجها نحونا ، فعرفنا انه القبوجي (٢) Capigi اعني مساعد رئيس الانكشاريين ، ويحكم البلد في غياب الوالي الذي توفي منذ مدة قريبة ، واذ تعرف علينا باننا افرنجة ، اقترب مني وسلمني رسالة من الاباء الكبوشيين القاطنين في بغداد ، فعرفت منها ، ان القبوجي يتوجه الى العمارة حاملا امرا الى رجال الكمارك ليتركونا وشأننا ، وعلينا ان ندفع للقبوجي عشرة قروش ، فطلبت منه ان يعود الى المدينة ويخبر الاباء المذكورين بقربنا من بغداد ، كما طلبت منه ان يترك باب المدينة مفتوحا حتى وصولنا ، لان الساعة متأخرة فاستدار الرجل وعاد ادراجه يسابق الريح ... وقد ساعدنا محمود جلبي عند باب المدينة وفي الكمرك ، وهكذا دخلنا المدينة ووصلنا الى دير الكبوشيين دون ان تصيبنا اذية ما.
__________________
(١) اعتقد ان المؤلف يتكلم عن آلة القانون المعروفة.
(٢) القبوجي : كلمة تركية ، معناها الحرفي «البواب» وهي من وظائف ذلك الزمان واطلقت في الاصل على حاجب السلطان او رسوله في مهمة خاصة ، ثم انتشر استعمالها في الولايات الاخرى.