يصحيون «فرنجي ، فرنجي ، كبير دوسيت» (١) (اعني هنا افرنج ، ولهم مسدسات عديدة).
وبالحقيقة فقد عمت البلبلة صفنا ، وملأ الخوف انفسنا. واخذ اولئك الرجال يتقدمون نحونا ، فاصبحت المسافة بيننا كافية لتصويب الرماح ، فامتطينا الخيول بسرعة ، وصحت باحد رفاقي ان يطلق النار عليهم حتى يخافوا فيهربوا ، او على الاقل يبتعدوا عنا قليلا ، لكنه لم يفعل ، فاعدت الصراخ ثانية وثالثة ، وتناولات المسدس لاطلق النار بنفسي ، رباه! ما اتعس تلك اللحظات ، اني كلما تذكرت تلك الحالة المريرة التي كنت فيها يعود الهلع فيغمر نفسي! اي منظر رهيب : اعراب واتراك كثيرون ، والوقت منتصف الليل وفي منطقة مقفرة في بلاد بعيدة ، لا امل هناك ولا معين ...
كنت على وشك الضغط على الزناد ، وفي الوقت نفسه اتوقع ضربة رمح من الطرف المقابل ، واذا بي اسمع صوتا يقول : بادري (٢) ، محمود جلبي! في تلك اللحظة انفتحت علي ابواب السماء وبعثت حيا ، فألقيت السلاح جانبا ، واسرعت الى مصدر الصوت فلحقني رفاقي ، واذ تعرف علي محمود جلبي ، صرخ من فرحه ونزل عن حصانه فتعانقنا طويلا ...
اما محمود جلبي هذا ، فهو انكشاري ، تعرفت عليه في البصرة ، حالته المالية جيدة ، وله مكانة اجتماعية مرموقة ، وهو مهذب للغاية. وكنت قد اودعت عنده سلة كبيرة وضعت فيها اثمن ما عندي من اغراض ليحملها الى بغداد. وكان هناك رجل انكشاري آخر ، اصله من كانيا (٣) التقيت به في البصرة وربطتني واياه اواصر الصداقة وهو من ديار بكر ، وكان قد اتى الى البصرة لبيع بعض الشباب المملوكين الغريغوريين «الارمن». وكان من بين اولئك الشباب
__________________
(١) وردت هذه الالفاظ في الاصل.
(٢) كلمة ايطاليةPadre تعني الاب ، اعتاد المسيحيون في العراق اطلاقها على الكهنة والرهبان الاجانب ، ونرى ان الاصطلاح دخل الى الموصل بدخول الكبوشيين الايطاليين ، ويجمعها المسيحيون على بواتر وباتريه وباتريي!.
(٣) ميناء رئيسي في جزيرة كريت.