فذهبنا الى مضارب البدو ... فاستقبلونا بحرارة ، واجلسوني في صدر ديوانهم ... واجتمع القوم بنا ... وكان الجميع ينهضون وينحنون امامي كلما نهضت او هممت بالدخول الى احدى الغرف ... ان بساطتهم تثير الاعجاب العميق.
كاد هذا المجلس الطيب ان يتحول الى مأساة مريرة ، عندما وصل رجال يهود ، فاخذوا يتفحصوننا جيدا ، ثم صرحوا باننا من الافرنجة ، لكن الدليلين انكرا ذلك ، اما الجندي فقد انتهز الفرصة لعله يجني ربحا دنيئا ، فاقنع الحاج بركات وهكذا اعترفا بالحقيقة الى حارس الديوان ، وانتشر الخبر بين الجالسين كانتشار النار في الهشيم ، فاذا بشاب يرتدي جبة من الحرير الاطلس قام في وسط المجلس وبيده هراوة غليظة ، وقال انه شاهبندر البلدة ، ولذا فهو يطالب بالرسوم (... وبعد اخذ ورد ...) ارضيناهم بقرش عن كل واحد من المرافقين ... ثم ما لبثت ان رأيتهم يتقاسمون المبلغ ...
تمرض احسن حصان كان عندنا ، وكان متعبا وجريحا ، ولما اردنا تبديل نعاله ، طلبوا قرشا لكل مسمار ... وكانت مؤونتنا قد نفدت ... اما المملوكان فكانا في نقاش مستمر ، وقد اراد كارلو التخلي عنا ... وقد فحص احد الاشخاص الخبيرين بالخيول حصاننا المريض فقال ان السير السريع يفيده ... وبعد ان اشترينا زادا لنا ، وعلفا لحيواناتنا ، وبعد ان هدأت الحال بين خدامنا ، قررنا السفر ، وقد تقدم رجل من اهل المنطقة ليرافقنا في السفر الى حلب ، وكان مزودا بالسلاح ، فبعد ان اتفق مع دليلنا ، تركنا بلدة الدير في مساء اليوم الثالث من وصولنا ، فجبنا الفيافي طوال الليل ، ولم نسترح الا في فترات قصيرة ، حتى وصلنا الى منطقة هي اخطر المناطق في بلاد العرب كلها ، وهناك كان خيالنا يصور لنا وجود اللصوص في كل خطوة ووراء كل اكمة! ...
خلال اسفاري في آسيا ، في طريق الذهاب وبطريق الاياب ، لم تمطر السماء ابدا ، وحدث في ذلك اليوم ان تلبدت السماء بالغيوم ، وانهمر المطر علينا مدرارا ... فصرنا نسير في وسط الوحول ، وفي منتصف النهار توقفنا