أبو سفيان ، قال : ثنا عبد الرحمن بن يوسف ، قال : كتب إليّ أخ لي من الكوفة بلغنا عن أبي بكر أنّه قال : أللهم إنّي أسألك الذل عند النصف من نفسي (١) ، والزهد فيما جاوز الكفاف (٢).
حدثنا أبو العباس (٣) الجمال ، عن شيخ له ، عن أبي سفيان ، قال : كنت مع عبد الرحمن بن يوسف في طريق اليهودية ، فتلقاه نصراني ، فسلّم عليه وأكرمه في مسألته إكراما أنكرته عليه ، فلمّا ولى قلت : تصنع بهذا النصراني هذا الصنيع؟ قال : إنّك لا تدري ما صنع هذا بأخي. قلت : وما صنع؟ قال : هذا رجل من أهل الرّقة (٤). نزل أخي مع تسعة من العباد قرية لهم ، فقال لغلامه : انظر من في القرية؟ فرجع إليه ، فقال : في القرية قوم في وجوههم سيماء الخير. قال : فجاء ، فنظر إليهم ، فتوسم فيهم الخير ، فرجع إلى منزله حمل إليهم مائة ألف درهم يوصلهم (٥) بها ، وقال : استعينوا بها على ما أنتم فيه ، فأبى واحد منهم أن يقبل منه شيئا (٦).
حدثنا أبو صالح بن المهلب ، قال : ثنا محمد بن عاصم ، قال : جرى عند عبد الرحمن بن يوسف «الرحمة» ، فقلت : إنا نرجو رحمة الله ، فقال عبد الرحمن : إنّما يرجوها من يعمل.
__________________
(١) النصف بالتحريك : هي الّتي بين الشابة والكهلة ، يعني عند وسط عمره. «انظر «النهاية» ٥ / ٦٦ لابن الأثير.
(٢) في إسناده انقطاع وإبهام إذا كان المقصود من أبي بكر هو الصدّيق ، والغالب أنه هو ، والله أعلم ، والكفاف : هو الذي لا يفضل عن الشيء ، ويكون بقدر الحاجة إليه ، كما في «النهاية» لابن الأثير ٤ / ١٩١.
(٣) أبو العباس الجمّال : هو أحمد بن محمد بن عبد الله الجمّال. تقدم في ت ٢.
(٤) بفتح الراء والقاف المعجمة وتشديده ، تقدم في المقدمة تعريفها بأنها مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حران ثلاثة أيّام معدودة في بلاد الجزيرة ، وتقع في جانب الفرات الشرقي ، انظر «معجم البلدان» للحموي ٣ / ٥٨ ـ ٥٩.
(٥) هكذا في النسختين ، وفي «الحلية» ٨ / ٢٢٨ فوصلهم.
(٦) في سنده من لم يسمّ ، وذكره أبو نعيم في «الحلية» ٨ / ٢٢٧ به مثله ، إلّا أنّه جعله من قصة محمد بن يوسف ، يعني قال أبو سفيان : كنت مع محمد بن يوسف في طريق اليهودية فذكر القصة ، فلعله حصل منهما هذه ، وأبو سفيان يروي عنهما جميعا ـ والله أعلم ـ.