الناجحة شرعت أستعد للسفر بشراء الأمتعة الضرورية من طعام وأوان للطبخ واشتريت صندوقين مربعي الشكل ، لا يزيد طولهما عن عرضهما مع شيء من الارتفاع يسعان كمية كبيرة من الأمتعة ، ويحملان على الجمال بسهولة إذ يتدليان على طرفي البعير ، وكانا من خشب خفيف متين داخل أكياس من القماش القوي تلتف حولهما حبال متينة وبهذه الطريقة يسهل حملهما وشدّهما على الحدوج. كما اشتريت أنواعا مختلفة الأحجام من الزقاق الجلدية ، فهي جيدة للأسفار ، لا تتأثر بالسقوط أثناء التحميل وهي خفيفة الوزن أيضا تستعمل للماء ... ومنها أشكال مختلفة فبعضها مزينة بنقوش ملونة جميلة المنظر ، تعطي الماء طعما حسنا ورائحة مقبولة وتحافظ عليه. وهناك أنواع أخرى أبسط شكلا وأكبر حجما تستعمل لحمل السمن والسوائل الأخرى ، وهي بسيطة لا خياطة فيها. وقد ذكرتني بزمارات القرب المصنوعة من جلود الثيران التي نوّه بها زينوفون (١).
بعد هذه الاستعدادات ذهبت لأستأذن بالرحيل من السيدين القنصل الفرنسي وزميله البندقي وأودع بعض الأصدقاء المقربين ورغبة بالمزيد من السرية لم أذهب لزيارة القناصل الآخرين .. الإنكليزي والهولندي مثلا بالرغم من إجلالي لهما ؛ كما لم أخبر الأصدقاء لئلا يتجشموا عناء الخروج لتوديعي عند مغادرتي حلب فيثيرون الشبهات ويلفتون الأنظار إليّ ...
وأخيرا حلقت شعر رأسي يوم الجمعة ١٦ أيلول [١٦١٦] وتعممت بعمامة ، وتسربلت بالزيّ السوري ، وفعل أتباعي مثلي كي لا يتعرف أحد علينا وركبت جوادا في منزل القنصل البندقي في وقت صلاة العشاء وسرت لألتحق بالقافلة التي كانت مستعدة للرحيل بعد ان تجمع أفرادها منذ أيام في قرية تبعد
__________________
(١) مؤرخ يوناني ومقاتل شجاع (٤٢٧ ـ ٣٥٥ ق. م) له مؤلفات عديدة منها كتابه «حملة قورش» ولقد عرب السيد يعقوب إفرام منصور قسما من الكتاب بعنوان «ما يتعلق بالعراق من كتاب الصعود لزينوفون» المورد ٤ (١٩٧٥) ٢ ص ٧١ ـ ١٠٠ ، ثم أصدر الكتاب كاملا في بغداد ١٩٨٥ بعنوان «حملة العشرة آلاف».