عن المدينة ستة أميال تسمى «جبرين» ولقد رافقني إلى هناك السيد جيوفاني باتيستا كاتي وأصدقاء آخرون واحد بندقي والآخر فلمنكي والثالث صقلي وقد تزيوا كلهم بالزيّ المحلي ليبعدوا الأنظار عني وأمضينا تلك الليلة بمرح في خيمتي ، وعند الصباح قفلوا راجعين إلى حلب بعد أن ودعوني بالدموع.
لم ترحل القافلة في ذلك اليوم إذ كانت تنتظر انضمام بعض التجار وريثما ينتهي موظفو الكمرك من تفتيش البضائع والتحقق من عدم وجود مواد مهربة بينها. فمكثت في جبرين مع رجالي الخمسة وهم : أندريا السندري البندقي وهو رجل مهذب جدا التقيت به في حلب فأخذته لأنه خبير بتلك الأصقاع وعارف بلغاتها ومعروف لدى القوم وقد كسب ثقتهم ، فاتخذته دليلا لرحلتي وأمينا على أموري. ثم تومازو والرسام ولورنسو (١) وإبراهيم شاهيتا (٢) من نصارى حلب الذي أقمته على خدمتنا.
الرحيل
غادرت القافلة «جبرين» في ١٨ أيلول فوصلت إلى «ملوحة» وهي على بعد ستة أميال أو سبعة عنها ومكثنا هناك حتى ظهر العشرين منه ننتظر بعض رجال «الأمير فياض» وهو من أعراب البادية الذين يعيشون في خيام سوداء ويتنقلون في أرجاء الصحراء ؛ فهم تارة هنا وتارة هناك. وهذا الأمير لا يخضع في الواقع لسلطات الأتراك لكن له بعض العلاقات مع الحكومة فهو كالسيد الإقطاعي ، تشمل سلطته كل مفاوز البادية بين حلب وبابل ، وتمتد إلى معظم بلاد بين النهرين وعبر الفرات. أما الرجال الذين كنا ننتظرهم فهم من بطانته يستلمون الإتاوة من كل قافلة تمر عبر أراضيه فيرسل رجلا من أمنائه إلى «ملوحة» ليتقاضى الجباية وبعد ذلك لا تتعرض القوافل إلى أذى من أحد من أتباعه لكن هؤلاء لا يكتفون عادة بالإتاوة المتفق عليها ، بل يحاولون استنزاف
__________________
(١) سيذكر الرحالة فيما بعد بتاريخ ١١ تشرين الثاني أن تومازو قتل رفيقه لورنسو في بغداد لخلاف نشأ بينهما ، فرميت جثة القتيل خلسة في دجلة وأعيد القاتل إلى بلاده.
(٢) في نشرة الأحد ص ٣٠٤ ذكر الاسم «شحطا».