في اليوم التالي لم نلاحظ شيئا جديرا بالذكر. ولكن في اليوم الخامس من تشرين الأول نزلنا عند بلدة تسمى «مسجد علي» وجدير بالذكر أن أماكن عديدة في تلك المنطقة تحمل هذا الاسم لأن القوم يعتزون بإطلاق هذا الاسم تيمنا بأمير المؤمنين الخليفة علي ويروى ـ نقلا عن الفرس ـ إن الخليفة علي مر في هذه النواحي عند ما خرج للقتال فترك قسما من جماعته في بعض تلك الأماكن ولذا فقد أطلقوا اسمه على أكثر من مكان في تلك المناطق تخليدا لذكرى مروره بها وإقامته الصلاة فيها (١).
بلدة عنة
في السادس منه وصلنا إلى «عنة» وهي مدينة رئيسة في البادية ولم أتذكر اسمها القديم (٢) تقع على الفرات فيشقها إلى شطرين الشطر الواحد في جهة البادية والشطر الآخر جهة ما بين النهرين وليس فيها جسر ، بل يعبرون من جانب إلى جانب بالزوارق الموجودة بكثرة. ولها شارع واحد في كل جانب وهي ليست بلدة صغيرة وتميل إلى الطول فيبلغ طولها خمسة أميال وبيوتها من اللبن كسائر مدن تلك الأطراف ، وهي حسنة البناء لطيفة المنظر ، وللبيوت بساتين عامرة بالأشجار المثمرة من مختلف الأنواع. فهناك النخيل والبرتقال والليمون والتين والزيتون والرمان وبكلمة واحدة جميع أنواع الأشجار ولقد رأيت أيضا أشجار الرند البري ذات الأوراق الكبيرة. إن وجود كل ذلك في وسط الصحراء لهو منظر رائع حقا.
وفي النهر جزر كثيرة غرست فيها الأشجار ولو أحسن الأهلون الاعتناء بها وتنظيمها لكانت أجمل شيء على وجه البسيطة. وقد حولوا إحدى تلك
__________________
(١) يسمى أيضا «مقام علي» ذكره هر تسفيلد وساره وغير هما ، انظر : فرحان احمد سعيد : مشهد ابي ريشة ، مجلة التراث الشعبي ٩ (١٩٧٩) ص ٨٧.
(٢) مدينة عريقة جدّا عرفت في الكتابات المسمارية باسم خانات وفي المراجع اليونانية باسم اناثا وفي الكتابات التدمرية باسم عنة وبالسريانية عانات والمرجح أن اسمها آرامي الأصل ومعناه بيت الماعز. دائرة المعارف الإسلامية (مادة : عنة).