الجزر إلى قلعة لتوسطها الجزر الأخرى ولموقعها الوعر لكن لا قيمة دفاعية لها أمام هجوم قوي. وليس للمدينة ـ أي عنة ـ سور فالنهر يقوم مقامه من الجهة الواحدة وسلسلة تلال صخرية تنتهي في البساتين من الجهة الأخرى.
وليس للمدينة مجال للتوسع عرضا ولا يمكن الدخول إليها إلا من مداخل ضيقة من طرفيها. إن الطبيعة أحكمت تحصينها!
الأمير فياض أبو ريشة
إن الأمير فياض هو سيد هذه المدينة ، وله فيها بيت لعله أجمل بيوت المنطقة وقلما يسكن هناك لأنه يتنقل على مدار السنة في البادية متفقدا شؤونها ليحميها من كل طارىء من الخارج ، ويتقاضى الضرائب في كل المناطق الخاضعة له والتي تقع في أطراف البادية لأن البلدان في قلب البادية نادرة جدا. وهو لا يكتفي باستيفاء الضرائب من العشائر الخاضعة له بل يجمعها من أماكن أخرى تخضع للسلطان ولأمراء آخرين ، فيؤدونها له تخلصا من شره وشر غزوات أتباعه. وكثيرا ما يطلقون عليه اسم «الملك» تعظيما فهو سيد مطلق يحكم في بلاده ويأخذ الضرائب من المناطق المجاورة حتى تلك الخاضعة للسلطان مباشرة ، وقد يستعمل القسوة أحيانا ، ومع تمتعه بالحرية المطلقة في البادية إلا أنه يبدي بعض الطاعة للحكومة التركية فإذا دعي إلى حرب لبى الدعوة وذهب على رأس جيشه أو في الأقل أرسل رجاله للاشتراك في الحرب. إنه يعمل بما يأمره السلطان أو الولاة وهو مخير في طاعته بحسب ميوله فهو الذي يقرر متى وكيف يطيع ، كما يفعل بعض الأسياد الإقطاعيين في بلادنا ... لأنه في الواقع في موضع حصين لا تطاله الأيدي (١).
الأمير فياض رجل مستقيم ، وقد حظي بخضوع الآخرين بأدبه ، وطهر بلاده من رجال السوء ، فهو لا يتوانى عند الحاجة عن إنزال العقاب الصارم حتى بذوي قرباه ولهذا السبب تسير القوافل في أراضيه بأمان ، وتعيش المدن
__________________
(١) لونكريك : أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص ٥٦ ـ ٥٧.