توقفنا هناك ذلك اليوم وكان الجمالون يرغبون بالاحتفال في بيوتهم بالعيد لكن بعض الأتراك ألحوا عليهم بمتابعة السفر فرحلنا في اليوم الحادي عشر من الشهر وكنا نسير بمحاذاة النهر كما كنا نفعل ونحن في الجانب الآخر ، ومساء ذلك اليوم أمطرت السماء للمرة الأولى رذاذا خفيفا صحبته عاصفة شديدة قلبت خيامنا لكنها لم تدم إلا سويعة من الزمن.
احتفل المسلمون بعيدهم في الثالث عشر من الشهر وبعد تناول الفطور تابعنا سيرنا تاركين النهر وراءنا متجهين شرقا فتوغلنا في الصحراء قاطعين أرض بين النهرين بخط مستقيم. ولم نفعل ذلك رغبة باختصار الطريق بل إرضاء للتجار ليتسنى لهم تهريب الأموال الكثيرة التي كانت بحوزتهم والتخلص من دفع رسوم المكوس في بغداد. لقد فعلوا ذلك رغم صعوبة الطريق وفقدان وسائل التموين واحتمال وجود قطاع الطرق هناك بينما يمر الطريق المحاذي للنهر بأماكن مأهولة يجد فيها المسافر مؤونة. لقد سلكوا ذلك الطريق ليدخلوا إلى المدينة من الجهة الثانية لأنها مفتوحة ولا يوجد هناك سور ، فمتى دخلوا المدينة لا يستطيع رجال المكوس تفتيشهم ووضع اليد على المهربات.
من عادة رجال الحكومة الخروج إلى ضواحي المدينة للتفتيش وحين يبلغهم خبر قدوم القوافل يذهبون أمامهم مسيرة أيام ليباغتوا التجار ويضبطوا رسم أموالهم ونقودهم.
لقد أرغمنا التجار على السير في هذه الطريق الصحراوية الشاقة حيث لا وجود للزاد والماء وإذا عثرنا على ماء فإنه لا يصلح للشرب أو الطبخ لملوحته العالية ومرارته ... لعن الله الطمع والطامعين! ولم يكتف أولئك الخبثاء بهذا كله بل جعلونا نمضي أياما جهنمية بسبب الخوف الشديد من قطاع الطرق.
ولذا كانوا يحثوننا على الإسراع ولم يمنحونا فرصة لالتقاط أنفاسنا. لقد تمنيت الموت شنقا ألف مرة وفضلته على عذاب تلك الأيام!
أما الجمالون فقد ركبهم شيطان الغضب لأن مطاياهم كانت تتعذب جدا وقد نفق بعضها من الإرهاق الشديد وبالرغم من هذا كله حاولت التحلي بالهدوء والصبر وسليت نفسي بمراقبة النباتات الغريبة والأرض.