لقد كنا في حالة استنفار دائم ، فعندما تسرح الجمال لترعى ـ إذ ليس من عاداتهم علف حيواناتهم ـ يذهب رجال مسلحون لحمايتهم لأنه في أحد الأيام كادت تسرق جميع حيوانات القافلة ولم يجسر أحد على الابتعاد لحظة واحدة عن القافلة بدون سلاح .. حتى عند الذهاب لقضاء الحاجة الطبيعية! .. ينتابني الضحك وأنا أتصور نفسي قاعدا وبيدي البندقية وهي معدة للإطلاق! وبعد مسيرة سبعة أيام على هذا الحال من المشقة والأخطار وصلنا يوم الأربعاء ١٩ تشرين الأول إلى ساحل نهر دجلة الشهير وهو بلا ريب أكبر من الفرات لكنه لم يكن في ذلك المكان سريع الجريان كما هو مشهور عنه ، لا بل كان الفرات أسرع جريانا في تلك المنطقة ؛ ولإعطاء فكرة عن النهرين أقول ؛ إن الفرات أعرض من نهر «التيبر» (١) ، ودجلة أعرض من الفرات ويلتقي النهران بقرب البصرة فيدعى النهر المتكون من التقائهما باسم «شط العرب».
سرنا بمحاذاة جانب دجلة الغربي كما كنا نصنع ونحن عند الفرات وشاهدنا في هذا المكان آثار خطوات الأسود (٢) إذ هي كثيرة في تلك البقاع ، ولا تختلف الأرض هناك عما رأينا في القسم الذي قطعناه سابقا.
الكاظمية
وصلنا بعد الظهر إلى مكان يدعى «الإمام موسى» [الكاظم] وهو مزار يكرمه المسلمون وتكثر النساء خاصة من زيارته يوم الجمعة ، ويأتيه المؤمنون من بغداد ، وهو يبعد عن المدينة المذكورة مسيرة ساعة ، كما يقصده الزوار من بلاد بعيدة خاصة من إيران لأنه يضم ضريح الإمام المذكور.
توقفنا عند هذه البلدة منتظرين رجال المكوس وأمضينا ليلتنا هناك فأقبل رجال الحكومة ليستوفوا الرسوم من القافلة لكنهم لم يجدوا فيها ما يجديهم
__________________
(١) نهر معروف يمر بمدينة روما.
(٢) كانت الأسود كثيرة في العراق كما يظهر في المنحوتات الأشورية القديمة وقد بقيت إلى القرون الأخيرة فنوّه بها رحالون عديدون أمثال تافرنييه وسبستياني (القرن ١٧) وصاحبنا. أما الآن فلا نسمع بوجودها.