اعتقادهم ـ ملاكان أرسلهما الله لتفقد الأرض واستطلاع أخبار البشر ، ـ كما يتناقلون ـ وقعا في حب امرأة التجأت إليهما ليعدلا بينها وبين زوجها ، فطلبا منها أمرا فاحشا ، فوافقت بشرط أن يلقناها الدعاء الذي بقوته ينتقل الملائكة صعودا ونزولا بين السماء والأرض حسب رغبتهم ، فأفشيا السر ؛ وما ان تعلمت الكلمات الضرورية حتى تلفظت بها في الحال وحلقت إلى السماء تاركة الملاكين في قنوط ، فعاقبهما الرب على ميولهما نحو الحرام وأبقاهما سجينين في المغارة ببابل ، وهما معلقان بشعرهما حتى يوم الحشر ، ولا أعلم أهما معلقان بشعر الحواجب أم بشعر الأهداب ... يا لها من خرافات!
لنعد الآن إلى خرائب البرج. إن المواد المستعملة في البناء هي أغرب ما في المكان لقد فحصتها جيدا وضربت المعول في أكثر من مكان فكسرت بعض القطع فإذا بكل ما أمامي آجر كبير الحجم وسميك مصنوع من الطين المجفف في الشمس ومبني بالطين أيضا إذ لا أثر للملاط فيه. لكنهم رغبة بتقوية البنيان أضافوا بين صفوف اللبن خليطا من القصب المسحوق والتبن بصورة حصران وفي بعض صفوف البناء وخاصة في الأماكن التي هي ركائز مهمة لتحمل الثقل فقد وضعوا آجرا مفخورا بنفس الحجم السابق ، وهنا استعملوا الملاط الجيد والقار ، لكن كمية اللبن هي أكثر بكثير من الآجر المفخور. وقد طاب لي أخذ نماذج من مختلف أنواع الآجر والحصران والقار ليطلع عليها الآثاريون ، وسأحملها معي إلى إيطاليا.
ولقد ورد ذكر استعمال القار في البناء عوضا عن الملاط في هذه البلاد في مؤلفات «جيوستينو» (١) في كتابه المعنون «مختصر تروكو» في سياق كلامه عن بنايات «سميراميس» لكن الكتاب المقدس نفسه في أثناء ذكره لهذا البرج والمدينة يعتبرها من عمل «نمرود» (٢). أما المؤرخون المدنيون فإنهم يعزون
__________________
(١) مؤرخ لاتيني من ابناء المئة الثانية اشتهر بمختصر التاريخ العام لمؤلفه «تروكو بومبيو» المعاصر للامبراطور أغوسطس.
(٢) يشير إلى سفر التكوين ١ : ٨ وما يليه و ١١ : ٣.