كان فيه ثمانية أبراج الواحد فوق الآخر وهو بناء متراص تحيط به مرقاة خارجية للصعود (١).
أما «سترابون» فإنه لا يذكر المرقاة ، ولا يتوقف لوصف جمال البناء لأنه يضيف بأن البناء قد خرب قبل عهد «أحشويرش» (٢) ولما قدم «الإسكندر الكبير» (٣) قرر إعادة البناء لكن موته المفاجىء حال دون تحقيق رغبته (٤).
يلاحظ أن تلول الخرائب الظاهرة حاليا لا تقدم أية إشارة إلى بناء سابق أو مدينة كبيرة كانت قائمة ، كل ما هنا لك بعض الأسس والجدران المائلة التي تشاهد على بعد خمسين أو ستين خطوة من التل. أما البقية فهي أرض مستوية ولا توجد بقايا أبنية فوق الأرض ما عدا التل الكبير ، بالرغم من أننا نعرف كم كانت عظيمة أبنية بابل ... مهما يكن فهذا تأثير الزمن الذي يخرب كل شيء.
فقد مضى على بناء المدينة أربعة آلاف سنة أو أقل من ذلك قليلا. وما يظهر الآن على قلّته أدهشني فعلا. ألم يذكر «ديودورس الصقلي» وهو مؤرخ قديم أن الآثار الماثلة على عهده كانت نزرة جدا؟
إن ارتفاع التل الأثري عن سطح الأرض يختلف هنا وهناك لكنه أعلى من أي قصر من قصور نابولي وليس له شكل محدد خاص لأنه خراب ففيه قسم مرتفع وآخر بالعكس وفيه قسم منحدر وآخر منبسط وبالإمكان الصعود إليه.
كما تظهر عليه آثار انحدار مياه الأمطار ، ولا أثر فيه لمرقاة للصعود أو باب للدخول ، وإذا ما تسلقت إليه تجد بعض الكهوف المنهارة التي لا تفصح على أصلها وهي حسب اعتقادي تختلف عما كانت عليه بالأصل ولعل هذه المغارات من عمل أهل البادية حفروها للالتجاء إليها ، وبالرغم من أن البدو يهابون المكان ولا يقتربون منه لاعتقادهم بوجود «هاروت وماروت» فيه (٥) ، وهذان ـ في
__________________
(١) انظر الوصف في كتاب «مقدمة في تاريخ الحضارة القديمة» تأليف طه باقر ، ص ٥٧٠.
(٢) ملك الفرس (٤٨٥ ـ ٤٦٥ ق. م) ابن داريوس.
(٣) الاسكندر المقدوني (٣٥٦ ـ ٣٢٣ ق. م) من أشهر القادة والفاتحين.
(٤) قدم الاسكندر إلى بابل سنة ٣٣١ ق. م.
(٥) سورة البقرة ١٠٢.