على بابل ، فغضب الملك وقرر تقسيم النهر المذكور إلى ثلاثمائة رافدا بحيث يمكن العبور عليه مشيا ، فأضاع فصل الصيف بأكمله في هذه العملية حسب رواية «هيرودوتس».
عبرنا نهر ديالى وتوقفنا في الضفة الثانية عند قرية «بهرز» عندئذ فقط شعرنا بالأمان ببعدنا عن بغداد فلا تنالنا يد الوالي ؛ كذلك أمضينا النهار بالاستراحة وأخلدنا للنوم إلى منتصف الليل فنهضنا وتابعنا رحلتنا بنفس النشاط السابق. كانت المنطقة التي نسير فيها تابعة لولاية بغداد ، وكانت الأرض هناك مستوية قاحلة تتخللها بعض المستنقعات لا تختلف عن البادية الجرداء إلا في الأماكن المأهولة وهي قليلة ، لقد كانت جافة لا من طبيعتها ولكن لأن يد الإنسان لم تمتد إليها لأني وجدت أعشابا كثيرة وأدغالا برية منتشرة.
في اليوم السادس من كانون الثاني مررنا بقرية تسمى «تكية» ثم عبرنا قرية أخرى أكبر حجما لكنها بدائية تسمى «شهرابان» هناك رأينا جيش بغداد وقد انتشر في أرض واسعة خضراء ونصب خيامه عليها ولا أعرف سببا لعدم تقدمه ، أرحمة بالفرس أم خوفا منهم ... اني أرجح السبب الثاني لأن الأتراك اتخذوا موقف الدفاع.
لم أقترب من مواضع الجيش لكن الرسام وبعض المسافرين اقتربوا منهم قليلا فلم يتعرض لهم الجنود بل تركونا نمر بسلام.
ثم مررنا بقرية أخرى تسمى «هارونية» (١) نسبة إلى رجل اسمه هارون. توقفنا هناك وأمضينا الليل وقد باغتنا بعض اللصوص ، ساعدهم الظلام الحالك فجاؤوا زاحفين وسرقوا بعض الأمتعة من رجال القافلة كافة ولا أعلم ماذا سرقوا من خيمتي ، لكن الرسام شعر بوجودهم فخرج إليهم وأطلق عيارا ناريا على أحدهم رآه يتسلل إلى الخيمة فكان خير رادع للسارق وأصحابه إذ أطلقوا سيقانهم للريح.
في اليوم السابع دفعنا ضريبة كانت تجمع في ذلك الموقع ورحلنا منذ
__________________
(١) معجم البلدان ٤ : ٩٤٦.