مغادرة بغداد
كنت قد صرحت بأني ابن تاجر بندقي معروف في تلك الديار ، وفي نيتي السفر إلى هرمز لأن الذهاب إلى هناك غير ممنوع. لكن الوالي ساوره الشك في أمري ، فأنا إفرنجي وقد كثرت التساؤلات عن شخصي بواسطة بعض رجاله ، لذلك لم أنشر خبر سفري لأن توجست شرا وخفت أن يلقى القبض عليّ. فطلبت من المكارين أن يسبقوني إلى خارج المدينة ويجتمعوا عند أسوار القلعة. وبعد أن تقرر موعد الرحيل في الرابع من ذلك الشهر ، وتأكدت أن رجال الحكومة انتهوا من تفتيش الأمتعة ، أرسلت أمتعتي على وجبات وطلبت من ذويّ الخروج إلى المكان المحدد عند العصر ولكن من دروب مختلفة ، وعند غروب الشمس خرجت ماشيا وأنا بالزيّ المحليّ وكأني في طريقي إلى دجلة للنزهة.
وجدت خارج باب المدينة في منطقة مستوية عددا من الرجال الترك المرموقين راكبين الجياد الأصيلة لعلهم من حاشية الوالي كان عددهم نحو ستين إلى سبعين رجلا وهم يتسابقون في ذلك الميدان الفسيح ويرمي الواحد للآخر بعض العصي. وهذا النوع من الألعاب معروف عندنا ويتطلب ذوقا وإحساسا فوقفت أراقبهم وشعرت بحسن الطالع لمشاهدة هذا السباق الجميل قبل رحيلي. وعند حلول الظلام عادوا إلى المدينة ولم يبق في المكان أحد فانحدرت إلى موضع خفيّ قريب من النهر حيث تجمع الأصدقاء وإلى أن خيم الظلام وأغلقت أبواب المدينة. لقد سخرنا حقا من الأتراك وتخلصنا من القواص المعين لمرافقتنا فلم نخبره بموعد السفر.
وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل حزمنا أمتعتنا وشرعنا بالرحيل فسرنا بسرعة كبيرة طيلة الليل دون توقف فبغالنا قوية وجيادنا أصيلة وخوفنا كبير من أن ينكشف أمر رحيلنا فيرسل الوالي رجاله في أثرنا وعند الفجر وصلنا إلى ضفة نهر ديالى وقد سبق ذكره ولم نجد هناك إلا قاربا واحدا فاستغرق العبور مدة طويلة إلى منتصف النهار.
يساورني الشك في أن نهر ديالى هو المعروف باسم نهر «جندا» في كتب الأقدمين وقد غرق فيه حصان أصيل مقدس (كذا!) يعود لقورش أثناء حملته